نحن واستراتيجية الخطّة «B»
لم نحتمل يومًا أن يكون السّلام باليد مكروهًا احترازيًا، عاليَ الدرجة، إلى أنْ تفشّى كورونا في العالم، عنيفًا في قدومه، بثوبه الجديد الممتلئ حنقًا وعدوانًا على الإنسان.
الوضع الراهن يمر باختراق واسع لبعض محتوى البروتوكول الاجتماعي في ثقافتنا وثقافة أغلب البلدان، إلى درجة أن يتوقف الابن عن مصافحة أبيه أو تقبيل رأسه، فيما تحلُّ الإيماءة أو الإشارة محلّ ما كان غيابه، وتحديدًا المصافحة أو التعانق والتقبيل، سلوكًا غيرَ محمود، وكأنّ الشاعر الشعبي مشعل الضَّوِي قرأ الحال في شطره الشعري «سلّمْ سلامْ الزَّعُولْ، اللّي ابصدْرَهْ غَلا»، أو أن الأمر استشعرته كلمات غنائية قديمة في قول «سَلَّمْ عَلَيَّهْ ابْطَرَفْ عينَهْ وحَاجبه».
هذا الوضع يأخذنا إلى منطقة أوسع، ونحن نعيش بعض التحولات المُلْزِمة بالتعايش مع ظروفها الجديدة، بسبب هذا المرض العالمي الذي نال - بكل أسف - درجة الجائحة الوبائية لدى تصنيف منظمة الصحة العالمية، قبل أكثر من أسبوع.
باعتبار هذا الوباء طارئًا، كما تُعبّر عنه لغة الإدارة، فإنّ بعض الأمور الخدميّة قد يواجهها ارتباك إذا لم تكن هناك خطط بديلة أو ما يصطلح عليه في علوم التخطيط بالخطة «B» ونحوها.
وكبعض الشواهد التي لوحظ فيها بعض ارتباك، ذلك الأمر المتعلّق بالتعليم عن بعد، حيث ظهرت شكاوى كثيرة حول عدم اعتماد آليّة ذات وسائل تقنية قادرة على تحقيق هذا التحول دون مشاكل فنيّة، ممّا يسبب تذمّر كثير من المتعلّمين والمعلّمين، بل يضع عوائل المتعلمين في حيرة.
ولعلّ أهمّ الأسباب في عدم سلاسة الانتقال من التعليم المدرسي إلى التعليم عن بعد، هو الذي يقتصر على الخطة المألوفة، دون توفر استعدادات قبْليّة للتحول إلى مرحلة الخطط البديلة الموازية، كاعتماد أدلّة إرشادية دقيقة تستلزمها الظروف الاستثنائية، وفي مقدمتها احتمالية ظهور وتفشي الأوبئة.
إنّ واقع جملة من العائلات يخشى أي قصور تقني أو فنّي في عملية التعليم عن بعد، ممّا لا يسهم في تحقيق الغايات المنشودة.
وفي شاهد آخر، لم يخف بعض الارتباك الخدميّ تجاه بعض المرضى من ذوي المواعيد المنتظمة، حيث يصعب الوضع مع أولئك المرضى الذين يتسبب التأخير في برامجهم العلاجية في معاناة كبيرة لهم ولأسَرهم.
إنّ تصور الخطط البديلة المتكاملة، بمنظومة مواردها البشرية وكفاءاتها وعتادها المادي والتقني، كفيل بالتخفيف من وطأة أي ظروف طارئة تستدعي التحول من خطة رئيسة إلى خطط بديلة، وفي الوقت نفسه، يخفض درجة الارتباك التي ترشح عن الظروف ذاتها، كما يحقق فرص التفاعل الناجح مع المستفيدين.
هذا الشأن يَرِدُ أصالةً في تراثنا وأدبياتنا تحت عناوين حسن التدبير، بينما تحتفي به علوم الإدارة المعاصرة عبر مسميات التخطيط الاستراتيجي الحديث، ومن تتوفر له سبل أكثر، تسنح له فرص الوصول بشكل أسهل وأيسر.