بين الأخذ بالأسباب والدعاء
قبل فترة انتشر مقطع فيديو فيه أحد الشيوخ البارزين يتحدث عن تعزيز الإيمان والأتكال على الله ووجه النقد له ولتفكيره والغريب أننا شاركنا الشيخ تجربته الشخصية التي لا يعلم بها إلا الله فهي خاصة ويعلم كيف يطرق باب الله وتبقى هذه أمور قلبية روحية، لسنا بصدد تقييم حديثه فهو المسئول عن تجربته الإيمانية ومن حق الآخرين أن لا يأخذوا بتجربة الغير.
ينبغي الاستفادة من تجارب الآخرين والأخذ بالأسباب وضرورة الاطلاع على أهم تجارب الشعوب والأمم للانتفاع منها، والأحاديث والروايات تؤكد على العلم والعمل والاجتهاد والكدح والسعي بهذه الحياة للتفوق والتميز والمساهمة في التنمية الشاملة المستدامة.
لكن هناك أمر مهم ينبغي ملاحظته، كل فرد له تجربته فيما يمارسه حتى بالأكل وبالشرب والتذوق، فلا نقول الكل يتذوق بعض أنواع الأغذية بنفس الذوق، هنالك أفراد يتحسسوا من بعض المواد الغذائية الطبيعية، والبعض الآخر يعتبره غذاء مفيدا صحيا ويتخلص من بعض الحساسيات والأسقام أو الراحة والسعادة إذا أكل ما يتحسس ويؤذي غيره.
الأمر ينطبق على الأدوية يصرف دواء لشخصين بنفس المرض أحدهما يستفيد والآخر لا يستفيد، إذا لم يتضرر من نفس الدواء بآثار سلبية.
فكيف بالعبادة وفلسفتها فهي علاقة مباشرة وتجربة خاصة بين العبد وربه، لا يشعر بمعاني العبادة وأداؤها إلا من يمارسها، وكيف تكون حالته من ناحية الصفاء الروحي، وما وضعه خلال العبادة وماذا نتج عن عبادته وتجربته الذاتية التي زودته بغذاء روحي واكتسب من التقوى؟. تبقى تجربة شخصية ولكل تجربة وممارسة شخصية طقوسها وظروفها لا يشعر بها إلا نفسه.
شخصان يدخلان في مشروع تجاري اقتصادي أحدهما يمتلك 10 مليون ريال والآخر لديه مليون ريال فقط، بعد 5 سنوات صاحب ال 10 مليون يخسر كل شيء بل أحيانا يكون مدينا، وصاحب المليون ربح وحول المليون إلى 10 مليون ريال، والاثنان اتبعوا نفس الخطوات في تجارتهما وأخذا بالأسباب، ألم نقرأ ونسمع عن هذين النموذجين كثيرا؟. ماذا نطلق على العوامل الخارجة عن الإرادة مثل تغير الأنظمة والقوانين في وقت ما، يعني كانت الظروف الاقتصادية مهيأة للنجاح وتغير الوضع الاقتصادي من الناحية الطبيعية أو من جهة تغير الأنظمة والقوانين، ألا يدخل هذا في التوفيق الإلهي الذي ليس له علاقة بالأخذ بالأسباب؟ وأحيانا تتغير الظروف الاقتصادية سلبا في منطقة معينة ويتضرر البعض والآخر تزيد ثروته والبعض يكسب ويتغير حاله إيجابا عند المصائب.
كلما قرأت الآيتين الكريمتين ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ﴾ والآية الأخرى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ «16»
ما يهمنا بالآيتين الاستطاعة وحجم الاستطاعة عند الإنسان المحدود في كل شيء، نؤمن بأخذ الأسباب والعوامل المادية لكن من يسد الفراغ الناتج عن عدم الاستطاعة لدى العبد وحتى الإنسان إذا واجهه ما يفوق قوته المادية، أين مفهوم الرحمة العامة والخاصة اللذين نفهمهما من الرحمن والرحيم، ومهما أخذ الإنسان بالأسباب يبقى لديه عجز يسد بقوة من هو أقوى وهو الخالق.
أيضا لو نأخذ بالقوة المادية والعلم وبالأسباب والعمل بما يعزز المجتمع والدولة بالصحة، أقوى الدول بالعالم ماديا وبالنظام الصحي الصين كوريا امريكا ودول اوروبا لها خبرتها الصحية والإدارية ومع هذا داهمها المرض وبجانبها دول مجاورة وامكانياتها محدودة وتعاملت مع الفيروس بنفس القدرة بل بأقل لأنها أضعف ماديا وأقل أمكانية بالصحة والإدارة ولديها سياح ونقل عام وعناصر مشابهه لكن أصيبت بأضرار اقل، مرت تجارب عديدة بالتاريخ البشري أصيب الناس في موقع جغرافي بكارثة مثل زلازل او اعصار ومنطقة جغرافية مجاورة وبنفس الظروف المناخية والعوامل الطبيعية لكن الله لطف ورحم هذه البقعة الجغرافية من غير استعداد مادي وبدون الأخذ بالأسباب.
مع إيماننا بأن بعض المصائب والكوارث والابتلاءات تكون للتحفيز والدفع بالحركة والتسابق نحو اعمار الأرض والتنمية البشرية وقيام الإنسان برسالته الدنيوية.