في أهمية بناء ثقافة الطفل وصقل مواهبه منذ بواكير سنه
إن ما يكتسبه الإنسان من معارف في صغره يساهم في تحديد ما يمكن أن تكون عليه شخصيته في مستقبله. فالمصادر التي يكتسب منها الطفل ثقافته، وينهل منها معارفه، سوف تحدد سماته، وأنماط تفكيره وسلوكه، وتُكوِّن تصوراته وانطباعاته، وتوفِّر له المعايير والمبادئ التي تمكّنه من التمييز بين الأفعال الصحيحة والخاطئة.
لذلك من الأهمية بمكان الاهتمام بثقافة الطفل، وإثراء فكره، وتوسيع مداركه، وتنمية خياله، وصقل مواهبه، منذ بواكير سنه. ”فالعِلْمُ في الصِّغَرِ كالنَّقْشِ في الحَجَرِ“. وهو تأكيد على وجوب اغتنام مرحلة الصغر لتحصين ثقافة الطفل بتحصيل المعارف والعلوم والآداب، قبل أن تنقضي هذه المرحلة وتأتي مرحلة بعدها يصعب فيها التعلّم، إذ لا شكّ أنّ التعلّم في الصغر تجتمع له أسباب النجاح، وتتهيّأ له عوامل الثبات، أكثر من طلب العلم في الكبير.
إن ”العناية بثقافة وأدب الطفل تعد من أهم مجالات العناية بالطفولة، لأن للثقافة دوراً فعالاً في شخصية الطفل، فهي التي تكسبه هويته، وتميزه، وتدعم انتسابه إلى مجتمعه. حيث بات واضحاً جداً أن قوة الأمم اليوم لا تقاس بمدى كثرة أبنائها، وعدد سكانها، وإنما بنوع ثقافتهم، ومقدار نصيبهم من العلوم والتقنية، ومدى اقبالهم على الأبحاث، وشدة محبتهم للعلم والتطور وتعلقهم بهما، وقوة استعدادهم لكسب رهان المستقبل، وهم قادرون على ذلك بالفعل“. [1]
وعلى هذا الأساس أصبح لزاماً، ليس فقط الاهتمام بتحصيل الأبناء العلمي، بل الاهتمام أيضاً بتحصيلهم الثقافي، وتشجيعهم على عادة القراءة، كون قراءة الكتب تُعد أفضل صديق ومُعلِّم للقيم والسلوكيات التربوية السليمة والحميدة، حيث يمكن تطوير مفاهيم الأطفال الصغار من خلال قصص مميزة تحمل نماذج أخلاقية يمكن الاحتذاء بها، وتغرس في نفوسهم القيم الإنسانية، وتُقدّم لهم بأسلوب سهل ومبسط وجذاب.
وأبعد من ذلك، "تعد قصص الأطفال تراثاً إنسانياً تتشارك فيه جميع شعوب الأرض، ودائماً ما يتابع الأطفال هذه القصص بشغف واهتمام كبيرين، سواء إذا جرى عرضها بالشكل التقليدي، وهو السرد، أو بطرق أخرى حسب تطور الزمان، وسواء كانت مقروءة، أو من خلال قصص مصورة، أو من خلال التلفزيون، وأخيراً الكومبيوتر.
وقد تناول الكثير من الدراسات العلمية الآثار المختلفة المترتبة على مثل هذه الحكايات، سواء من الجانب النفسي، أو الاجتماعي، أو التعليمي، من غرس قيم إنسانية في نفوس الأطفال، وإغناء مداركهم، وتنمية الخيال لديهم، ورسم نماذج عليا يحرص الأطفال على التمثل بها. وكان من الطبيعي أن تنال هذه الظاهرة الإنسانية اهتمام علماء الطب النفسي، إذ توالت الدراسات حولها. وناقشت أحدث دراسة نشرت في منتصف شهر يونيو «حزيران» من العام 2014 في مجلة رابطة العلوم النفسية journal of the Association for Psychological Science أثر القصص الأخلاقية ذات المنحى الإيجابي على الأطفال.
وأوضحت الدراسة أن إعلاء القيم مثل الأمانة والصدق في قصة معينة يكون أكثر تأثيراً من عرض النماذج السيئة، أو التي يمكن أن يحقق فيها البطل انتصارات عن طريق الكذب، أو التحايل، أو غيرها من القيم السلبية. وأشار الدكتور كانغ لي Kang Lee رئيس فريق البحث من جامعة تورنتو الكندية، إلى أن الآباء يجب ألا يعتمدوا كلية على مسألة أن القصص الأخلاقية فقط سوف تحسن سلوك الأطفال، بل يجب عليهم متابعة ذلك السلوك ومعرفة إذا كانت هذه القصص قد حققت الأثر المرجو منها من عدمه". [2]
بالإضافة إلى ما يمكن أن يكتسبه الطفل من قيم وسلوكيات أخلاقية وتربوية سليمة وحميدة من خلال القراءة، يمكن للقراءة أيضاً تزويد الطفل بالمعارف الجادة التي تساعده على بناء ثقافة متينة راسخة، تحصنه أمام ما يتعرض له من تدفق إعلامي ومعلوماتي رهيب، وتكون عوناً له في التعاطي مع الثقافات والأفكار والمعتقدات التي يعج بها العالم من حوله بدينامية وحيوية، تمنعه من الانجرار أو الانسياق وراء أي شكل من أشكال الثقافات المنحرفة، والتي ربما تأخذه في طُرق وعرة، تقوده نحو الغربة، وتبعده عن أصول ثقافة وهويته وانتمائه.