حديثٌ مع نظرية البجعة السوداء
ثمّة طريفةٌ تتعلق بالبجعة السوداء، تخلص إلى اعتقاد كان شائعًا بأن اللون الوحيد للبجع هو اللون الأبيض دون غيره، لكنّ المفاجأة حدثت بعد اكتشاف قارة أستراليا التي تتميز بوجود البجع الأسود دون غيرها من البلدان.
هذه المقاربة يشير إليها البروفسور الأمريكي من أصول لبنانية، الدكتور نسيم طالب، من خلال كتابه «البجعة السّوداء: تداعيات غير متوقعة»، والذّي يطرح فيه نظرية البجعة السّوداء باعتبارها حدثًا مستحيلًا، على حدّ لغة الاحتمالات، لدى الجميع، أو لنقل الغالبية من النّاس، في إشارة إلى أنّ التفكير الإنساني يتوجه لالتقاط جزء من المشهد الإجمالي في كلّ حدث، وكأنّه يتتبع المنطقة المضيئة، بينما يغفل أو لا ينتبه للمساحة الأكبر التي تحجبها ظلال الحادثة الرئيسة.
في نفس الاتجاه، يُلحظ ممارسة ما يعرف بعملية الإسقاط لمعالم هذه النظرية على كثير من الأحداث والوقائع التي في الماضي، أو الحاضر، بل وحتى في المستقبل.
وكمثال للقضية التي يعيش العالم اليوم زخمها الواسع، متمثلة في قضية فيروس كورونا المستجد، الذي سبق أن تناول قضيته غير واحد من الأساتذة الزملاء وخلال أكثر من مقالة طرحتها «صحيفة آراء سعودية».
وهنا يمكن أن يستدل بحديث لأحد العلماء الأمريكان المختصين في علم الحيوان، وهو بيتر دازاك، بصفته خبيرًا يدير منظمة الصحة البيئية في الصين، وهي منظمة تعمل على دراسة علاقة صحة البشر مع صحة الكائنات الحيوانية وبيئاتها المتنوعة.
منذ سنوات، أطلق هذا العالم الأمريكي تحذيرات تعنى بعودة فيروس كورونا، وبتركيب أكثر تعقيدًا وضررًا، وهذه ما أشار إليه قبل أيام في حوار إذاعي تمّ نشر محتواه الذي كان يُبدي خلاله استياءً، لعدم الاستماع لتحذيراته وتوصياته بضرورة التصدّي لذلك مبكرًا، لأن هذا الفيروس يأتي ضمن حقل اختصاصه العلمي واختصاصه العملي.
ويتذكر أنه قبل سنوات، كان يعمل مع فريق منظمة الصحة العالمية في محاولة استقصاء قبلي، لمعرفة الوباء الأكثر احتمالًا بالظهور، ومع وصول الفريق إلى نتيجة أن الفيروس القادم سيكون أكثر قدرة على نقل العدوى والتفشي، ولكن نسبة الوفيات لا يتوقع لها أن تكون عالية.
هذه النتائج التي تحدث عنها، ولكن كان يأسف لعدم الاستعداد الاحترازي لذلك قبل سنوات، وكأنه يشير إلى أنّ النصح لا يكون ذا جدوى، إذا لم يتفاعل معه الآخرون، وبعد فوات الأوان، لا تنفع كلمات الأسف، كما عبّر عن ذلك قديمًا شاعر عربي اسمه دريد بن الصمّة، حينما قال ناصحًا قومه:
ولمّا رأيتُ الخيلَ قُبْلًا، كأنّهمْ
جرادٌ يُباري وِجْهَةَ الرِّيحِ مُغْتَدِي
أَمَرْتُهُمْ أمري، بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى
فَلَم يستبينوا النُّصْحَ إِلَا ضُحَى الغَدِ
وهلْ أنا إلّا منْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ
غَوَيتُ، وإنْ تَرَشَدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
وتبقى نظريّةُ البجعة السّوداء، لا تلتفتُ للأحداث غير المتوقعة، وفيما بعد تتوسع المخاطر، فهل تعلّق منظمة الصحّة العالمية على ما أورده العالم الأمريكي بيتر دازاك؟.