أزمة الإشاعة في الأزمات
من مواصفات المجتمع الواعي أن يكون مدققا ومتأنياً في تداول الأخبار خصوصاً في الأزمات.
خصوصا تلك الأخبار التي تعطي انعكاساً سلبياً يزيدُ في تفاقم الأزمة.
وما تمر به بلادنا بل والعالم أجمع من أزمة متعلقة بالعدوى الفيروسية «كورونا الجديد COVID19» يتحتم علينا كمجتمع محب ومتعاون أن ندقق فيما نتداول من معلومات وأخبار.
ففي مثل هذه الأزمات تكثر الأقاويل وتكثر الشائعات ويكثر المتسلقين الطالبين للشهرة في بث السموم التي تزيد من تهويل الأزمة.
الإشاعة: لغة: الإظهار.
وتعرف بحسب الاصطلاح الشرعي: نشر الأخبار التي ينبغي سترها لشين الناس.
والإشاعة: مصدر أشاع، وأشاع ذكر الشيء: أطاره وأظهره.
وشاع الخبر في الناس شيوعا: أي انتشر وذاع وظهر.
وقد تطلق الإشاعة على الأخبار التي لا يعلم من أذاعها [1] .
والإِشاعَةُ من الشائعة، وهي: الخبر ينتشر ولا تثبُّتَ فيه، ويطلق الشِّيَاعُ على ما تُشَبُّ به النار من الوقود الخفيف [2] .
ومن الإشاعة: الارجاف، الأراجيف، والارجاف هو: نشر الاخبار المختلقة أو الملفقة.
والارجاف: مصدر أرجف أراجيف، وهي: الاضطراب الشديد، والخوض في أخبار الفتن المخوفة، وإشاعة كل ما يضعف القوى المعنوية من الكذب والباطل [3] .
من خلال هذه التعريفات يمكن لنا أن نعتبر الإشاعة من أهم أساليب ووسائل التأزم النفسي والاجتماعي خصوصاً في الأزمات.
وذلك لأنها تستعمل بفاعلية في وقت الأزمة، بحيث يكون لها شديد التأثير على العواطف في المجتمع بسبب قدرتها الكبيرة على الانتشار وفاعليتها العظيمة التي تبدأ منذ وصولها إلى أول فرد في المجتمع، مما يوضح مدي خطورتها على تفكك المجتمعات وبث الفتنة بين أفراد المجتمع.
الإشاعة قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض، وقد أبتلى بها أنبياء الله ورسله والأوصياء الأطهار ، بحيث كانت سلاحاً ضارياً استخدمه أعدائهم في محاولة إجهاض حركتهم الإلهية.
ومن يطالع صفحات التاريخ يعلم بإن الإشاعة لم تسلم منها حضارة من الحضارات ولا عصر من العصور.
ونحن اليوم وفي ظل هذا التطور من التكنولوجيا وعالم الاتصالات أصبح بث الإشاعة أسهل من السابق لخصوصية سرعة الانتشار عبر هذه الوسائل، ومن ثم يسهل على أصحاب النفوس المريضة ببث إشاعتهم المغرضة في الوسط الاجتماعي بسهولة.
ولهذا نجد أن من ضمن من يساهم في خلق وصنع وترويج الإشاعة وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية خصوصاً تلك التي لا يعرف من يديرها وما هي الأجندة التي يعتمد عليها في بثه للخبر.
ومن ثم يتلقف الفرد في المجتمع هذه الإخبار الزائفة، ويبثها فتنتشر في المجتمع بشكل سريع ويتداولها العامة ظنا منهم الوثاقة والصحة.
ودائماً ما تكون هذه الإشاعة شيقة ومثيرة، إلا أنه في نفس الوقت تفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها.
ومن دون ملاحظة القيد الأخير من قبل الأكثر فإنه يساهم في نشرها من دون التوثق من مصداقيتها، وبذلك تصل إلى أكبر شريحة في المجتمع، مما يؤثر على الروح المعنوية ويوجد حالة من البلبلة وزرع بذور الشك في الوسط المجتمعي مما يشكل الخطر البالغ خصوصاً في الأزمات التي تعصف بالمجتمع كمثل الأزمة التي نمر بها اليوم.
ولهذا قيل: بإن الإشاعة يؤلفها الحاقد.. وينشرها الأحمق.. ويصدقها الغبي.
ومقولة أخرى تقول: الشائعة يطلقها الجبناء.. ويصدقها الأغبياء الذين لا يستخدمون عقولهم.. ويستفيد منها الأذكياء.
وفي النتيجة أن المحذور بالإضرار بالمجتمع قد وقع، وكل ذلك بسبب إشاعة أطلقت من مجهول هوية يحمل أجندات حاقدة، أو مصالح خاصة مؤداها ضرب الأمن المجتمعي الذي في وقت الأزمات أحوج ما يحتاج إليه.
اتخذ الشرع المقدس موقفاً حاسماً حازماً قوياً من الشائعات ومروجيها لما يترتب عنها من آثار سلبية تزلزل كيان المجتمع وتؤثر على تماسكه وسلامة لحمته خصوصاً في الأزمات.
فعقاب هذا النوع من الكذب المسمى بالإشاعات عند الله سبحانه وتعالى عظيم، فالعقاب والجزاء على قدر الضرر المترتب على القول أو الفعل الناتج من الإشاعة.
وممكن أن نوضح الموقف الشرعي من الإشاعة من خلال ما جاء به القرآن الكريم في آياته الكريمة، وما تحدثت به الروايات الشريفة، والتي منها:
أولاً: أن الإشاعة هي الفاحشة: فقد توعد الله عز وجل في كتابه القرآن الكريم الذين يحبون أن تشيع الشائعات المغرضة في المجتمع المؤمن بالعذاب الأليم في الدنيا والآخر.
قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[4] .
﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا﴾، والذي يتمثل في:
1 - الحدود والتعزيزات الشرعية.
2 - النبذ الاجتماعي لصانع الإشاعة ومروجها كردة فعلاً لما أشاعه فيه.
3 - توهين مقامه الاجتماعي والشرعي بعدم تقبل أية شهادة منه، وإدانته بالفسق والفجور وتلطخ سمعته وافتضاح أمره.
وأما العذب الأخروي ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ فيتمثل ب:
1 - بحرمانه من رحمة الله عز وجل.
2 - يبوء بغضب من الله عز وجل.
3 - العذاب الأليم والمهين.. والعياذ بالله.
ثانياً: وجوب مراقبة المؤمن لما يصدر منه: فقد حظر القرآن الكريم على المؤمن محظورات كمقدمة للنهي عن الإشاعة فأمره بمُراقَبة كل كلمة تخرج من فيه، فقال سبحانه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [5] .
ثالثاً: الاستهانة بتناقل الإشاعة ذنبٌ عظيم: فقد يبيّن لنا القرآن الكريم كيف أن جماعة أبتلت بالإشاعة فسقطت في الذنب العظيم نتيجة تساهلهم بها، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [6] .
فتساهلت هذه الجماعة بالإشاعة حتى أنهم رحبوا بها وصارت هينة سائغة يتفكهون بها في مجالسهم ويتناقلونها بإلسنتهم من دون إي رادع رغم عُظمها عند الله عز وجل.
وتشير هذه الآية الشريفة إلى ثلاثة أنواع من الذنوب العظيمة التي أبتلت به هذه الجماعة:
الأول: تقبّل الشائعة: استقبالها وتناقلها.
الثاني: نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها.
الثالث: استصغار الشائعة واعتبارها وسيلة للّهو وقضاء الوقت، في وقت تمسّ فيه كيان المجتمع الإسلامي وشرفه.
رابعاً: مروج الإشاعة من دون التثبت فاسق: وصف القرآن الكريم مروِّجي الشائعات بالفسق، وحثَّ الناس على التثبُّت والتبيُّن قبل قبول الخبر الكاذب منهم، قال الله العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[7] .
بل واعتبر الشرع المقدس أن المتكلم بكل ما يسمع - بلا تثبت ولا تبين - كاذبًا، قال النبي الأعظم محمد ﷺ: ”كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع“ [8] .
وجعل الشرع المقدس الجرم أكبر وأشنع إن ردد الإشاعة وهو يغلب على ظنه أنها كاذبة، كما فعل قسم من الوضاعين على رسول الله ﷺ فنسبوا إليه ما لم يقله ضناً منهم أنه قاله فأشاعوه بين المسلمين.
قال ﷺ: ”من روى عني حديثاً، وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين“ [9] .
ومن هنا قبح القرآن الكريم إذاعة أي خبر وأي معلومة من دون التوثق منها، بحيث أن كل ما يصل إليه يذيعه، خصوصاً مع سهولة الإذاعة بوسائل التواصل الاجتماعي في زماننا.
قال إمامنا جعفر بن محمد الصادق «صلوات الله عليه»: ”إن الله عز وجل عير أقواماً بالإذاعة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ً﴾[10] .. فإياكم والإذاعة“ [11] .
خامساً: مروج الإشاعة مرجف: أطلق القرآن الكريم على مروجي الإشاعة: مرجفين، قال جل وعلا: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً﴾ [12] .
والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضا على الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس، كما بينا ذلك سابقاً.
وبلا شك أن الإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمجتمع، وفاعله يستحق التعزير.
ومما يعزز قبح هذه الأمر ونبذ الشارع المقدس له أن المتصفين به هم من يحملون القلوب الظلماء المريضة، والذين يتلونون حسب مصالهم وأهوائهم، ألا وهم المنافقون.
سادساً: صانع الإشاعة والمروج لها خارج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان: بينت الروايات الشريفة أن مروج الإشاعة خصوصاً إذا كان يتقصد قتل شخصية المؤمن، بإن عقابه الخروج من ولاية الله عز وجل والدخول في ولاية الشيطان لعنه الله.
قال الإمام الصادق «صلوات الله عليه»: ”من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان“ [13] .
سابعاً: القاذف بالإشاعة له عذاب عظيم: من تمام وكمال الحديث في الموقف الشرعي من الإشاعة بيان موقف الشريعة الإسلاميّة من الخوض في الأعراض وقذفها.
قال جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[14] .
وجاء في حديث عن محمد بن الفضيل عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم «صلوات الله عليه» قال: قُلْتُ لَه: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْه الشَّيْءُ الَّذِي أَكْرَهُه فَأَسْأَلُه عَنْ ذَلِكَ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ، وقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْه قَوْمٌ ثِقَاتٌ!؟.
فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ كَذِّبْ سَمْعَكَ وبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً، وقَالَ لَكَ قَوْلاً فَصَدِّقْه وكَذِّبْهُمْ لَا تُذِيعَنَّ عَلَيْه شَيْئاً تَشِينُه بِه وتَهْدِمُ بِه مُرُوءَتَه، فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّه عنهم فِي كِتَابِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[15] .
وعن زيد عن أبي عبد اللَّه الإمام الصادق «صلوات الله عليه» قال: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ؟.
قَالَ «صلوات الله عليه»: ”مَا هُوَ أَنْ يَنْكَشِفَ فَتَرَى مِنْه شَيْئاً، إِنَّمَا هُوَ أَنْ تَرْوِيَ عَلَيْه أَوْ تَعِيبَه“ [16] .
وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر الإمام الباقر «صلوات الله عليه» يقول: يُحْشَرُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَا نَدِيَ دَماً «أي ما ناله من نداوة الدم وبلله» فَيُدْفَعُ إِلَيْه شِبْه الْمِحْجَمَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِك، َ فَيُقَالُ لَه: هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلَانٍ!!.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي ومَا سَفَكْتُ دَما!!.
فَيَقُولُ: بَلَى سَمِعْتَ مِنْ فُلَانٍ رِوَايَةَ كَذَا وكَذَا فَرَوَيْتَهَا عَلَيْ، هـ فَنُقِلَتْ حَتَّى صَارَتْ إِلَى فُلَانٍ الْجَبَّارِ فَقَتَلَه عَلَيْهَا، وهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِه"[17] .
كثيرة هي العوامل والدوافع التي ينطلق منها صانعي الإشاعة ومروجيها، نذكر بعض منها:
1 - العداوة وبث الكراهية والحقد: وهذا ما رأينه من البعض الشاذ من كلماته النابية التي أطلقها تشفياً في القطيف وأهلها «حرسهم الله» حينما أعلنت الجهات الحكومية عزل القطيف، فرأينا من البعض - وهم قله بحمد الله - التشفي والكراهية، وهذا مما يعكس سيطرة الحقد في قلوب هؤلاء على جزء لا يتجزأ من الوطن الغالي تحت قناعات مؤدلجة دافعها أسباب كثيراً ما توعدت عليه الجهات المسؤولة الواعية، والتي في مقدمتها الطائفية البغيضة.
ونحن بدورنا نشيد بما تقوم به حكومتنا الواعية الرشيدة من محاربة لمثل هؤلاء الذين لا يريدون بالوطن خيرا.
كما ويجب الإشادة والشكر لكل من ساند القطيف المحروسة وأهلها في هذا الأزمة، فقد وصلتنا الكثير والكثير من رسائل الحب والتعاطف من كل محافظات وطننا الغالي، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على العقول الراقية والواعية، والقلوب النابضة بالحب والصدق لكل أطياف الوطن الغالي، بل وانعكاساً للحمة الوطنية التي هي الهم الكبير لكل مسؤول ومواطن.
2 - الجهل: حيث أن ”الناس أعْداءُ ما جَهِلُوا“ [18] فيأخذهم التهاون والاستخفاف في أمر حدث ما.
وهذا ما رأينه من البعض باستهانته بهذا الوباء «كورونا الجديد COVID19» حتى أنه صادر يأتي بمقاطع مصورة لبعض المصابين ويستهزأ بها.
3 - حب الظهور: صاحب الشخصية الضعيفة والذي لا تتميز بما يرقيها في الوسط الاجتماعي، دائما ما يبحث عن ما يرفع مكانته في المجتمع، حتى لو كان بسلوك طريق الكذب والخداع والفتنة والوقيعة.
فتراه يدعي وصوله إلى مصادر معلوماتية سرية وخاصه، لا يحصل عليها الناس العاديون!!.
فيتفرد بنشرها كأنه سبق صحفي، حتى يشار له بالبنان، متغافلاً أن الكذب لا بد أن ينفضح مهما طال أمره.
4 - التسامح العفوي: البعض يكون هدفه من ترويج الإشاعة هدفٌ نبيل في نظره، فيروج إشاعة بقصد التخفيف من حالة الخوف والهلع التي يصاب بها المجتمع خصوصاً في الأزمات.
فيحاول من خلال الإشاعة بث الأمل والاطمئنان، والتخفيف من عامل الخوف والذعر.
إلا أن هذا الهدف وإن كان في نظرهم هدفٌ نبيل إلا أنه يبقى كذب، ويبقى إبعاد عن المصادر الموثوقة التي تعني بالإزمة.
5 - الفضول: فالدخول في ما لا يعني الشخص سبب من أسباب ترويج الإشاعات، وهذا حال أغلب المروِّجين للإشاعات؛ فإن إصغاء السامعين لحديثه وإشخاصَهم بإبصارهم إليه وتشوُّقَهم لسماع كل ما يقول، دافعٌ مِن أعظم الدوافع لنقل الإشاعة، هذا إن سلم من الزيادة في الكلام بهدف تشويق السامعين وتعلقهم بما يقول.
1 - أهمية الحدث للمجتمع: فإذا كان الحدث بالغ الأهمية كحال الأزمة التي نعيشها اليوم على مستوى البلاد خصوصاً ومستوى العالم عموماً، فإن الأخبار المتعلقة بها تنتشر انتشار النار في الهشيم في وقت قياسي يقل نظيره في الأحداث العادية.
2 - درجة الوضوح والغموض المحيطة بالحدث: فإذا كانت المعلومات واضحة وسهلة الوصول لكل من له شأن بها - كما نرى في تعامل الجهات الحكومية مع الأزمة الحالية في البلاد - فإن طريق الإشاعة على المروجين يكون مستصعباً.
أما إذا كانت المعلومات غامضة تتصف بالضبابية وعدم الوضوح لمن لهم شأن بها، فإن المغرضين وأصحاب الأهواء والقلوب المريضة تتاح لهم الفرصة بترويج إشاعتهم التي تزيد من هول الأزمة، وتزيد من ضرر الوباء.
3 - التطابق بين موضوع الإشاعة والاهتمام الاجتماعي: بحيث أن الإشاعة تصب وبشكل متكرر في حدث يشغل المجتمع، ويبحث عن باب يخرجه من أهواله وويلاته كما هو الحال في الأزمات التي تهدد حياة أفراد هذا المجتمع بالخصوص.
4 - توثيق الإشاعة كذباً بمن لهم شأن ومصداقية: فترى بعض المروجين يتعمدون تذييل إشاعتهم بأسماء شخصيات معروفة في هذا الشأن وهذا الاختصاص.
كما هو الحال في الأزمة الحالية بتذييل إشاعتهم بكلام طبيب أو مسؤول في وزارة الصحة، أو وزارة التعليم، أو وزارة العمل، أو حتى موظف ينتسب لتلك الوزارات.
تلعب الشائعات دورًا خطيرًا في المجتمعات البشرية، فتؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن والاستقرار في المجتمع، خاصة في فترات الأزمات والكوارث الطبيعية أو الإنسانية، فتهدِّد تماسك المجتمع وأمنه، وتحرِّك الانفعالات والعواطف لدى أفراده.
فينعكس ذلك سلباً على النفس، مما يؤدي إلى تفتيت المجتمع والصف والرأي الواحد، وتعمل على تضارب الآراء؛ فيصبح المجتمع الواحد والفئة الواحدة أمام الشائعات فئاتٍ متعددة، مما تسببه الإشاعة من حيرة من الأمر بين التصديق والتكذيب، مما يجعل السائد في المجتمع في هذه الأزمات الارتباك والخوف والرعب.
ومن ثم فإن الشائعات تحبس العقول عن التفكير السليم، بل وتضر بالمجتمع سياسياً واقتصادياً وصحياً، وتعمل على إرباك المتواصلين مع صانعي القرار - من الجهات الحكومية - بل حتى على صانعي القرار أنفسهم، مما يؤدي إلى الإبطاء أو التسرع في إصدار القرارات في بعض القضايا المهمة، كهذه الأزمة التي نمر بها.
علاج الإشاعة يكون في أمور مهمه، يجب أن يلتفت إليها المجتمع حتى لا يسقط في بئر الظلمة بسبب إشاعة يبثها مستهتر يفتقد لحسّ المسؤولية، ومن هذه الأمور:
أولاً: وأدُ الإشاعية في مهدها: الخطوة الأولى والمهمة في علاج الشائعات إنما هو بوأدها في مهدها قبل تفاقمها وذلك بالامتناع عن إذاعتها، وتحمل المسؤولية هذه من كافة أفراد المجتمع.
وقد اتفقت العقول على حقيقة: ”الوقاية خير من العلاج“.
ومن المهم توضيح بإن الإشاعة مع مضنة الكذب صفة أتصف بها اليهود الفاجرون، حيث وصفهم الله تعالى في كتابه: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾[19] ، وهنا الله عز وجل لم يقل: ”قائلون أو مرددون للكذب“ بل ذمهم لمجرد إنصاتهم له!.. فتأمل!!.
ومن ثم من لا يريد أن يتصف بما اتصف بها اليهود عليه أن يأد الإشاعة في مهدها ولا يكون سبب لإشاعتها وحدوث الضرر في المجتمع المترتب عليها.
بل على المؤمن الواعي المحب لدينه ووطنه ومجتمعه ألا يلتفت للإشاعة من أساس، خصوصا مع الكم الهائل من المعلومات التي في كثير منها بهتان عظيم والعياذ بالله.
قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾[20] .
ثانياً: عدم المسارعة في بث الإشاعة حتى مع فرضية صحتها: من المهم التأكيد على أنه حتى مع التثبت من صحة إشاعة ما، فإن ذلك لا يعنى المسارعة في نشرها والإرجاف بها وإذاعتها وإفشائها، بل لا بد من الرجوع في شأنها إلى أهل الاختصاص من جهات حكومية أو مجتمعية وأهل العلم والخبرة في شأنها قبل التحدث فيها، حتى لا يكون نشر مثل هذه الإشاعات - حتى وإن صحت في حقيقة الأمر - وبالا على المجتمع بإحداث حالة من عدم التعامل السليم مع الأزمة.
وهذا ما أرشدنا الله تعالى إليه في كتابه العزيز بقوله: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[21] .
فأمرنا عز وجل برد الأمور سواء من الأمن أو الخوف إلى أولى الأمر والعلم أولا قبل إذاعتها والتكلم فيها، حتى يكون الكلام فيها وإذاعتها عن بينة وتثبت وتحقق من شأنها.
ثالثاً: التفكر في عواقب الإشاعة: من المهم التفكر في عواقب الإشاعة قبل بثها، والتي من عواقبها في بعض الأحداث والأزمات - كمثل التي تمر علينا - إزهاق الأروح البريئة بتضليلهم وإبعادهم عن الإرشادات الناجعة والصحيحة التي تتكفل بالأخذ بيدهم إلى السلامة.
ومن هنا الله سبحانه وتعالى يقول في آية النبأ: ﴿أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[22] .
الرابع: مطالبة مشيع الشائعة بالمصدر والدليل: فكل كلمة من سوء تقال بلا دليل فهي شائعة مغرضة وزعم كاذب، وهذا من بئس الحديث، كما جاء في المأثور: ”بئس مطية الرجل: زعموا“، أي أن الرجل يتحدث في الشاردة والواردة بالزعامات!!، وهي: ما لا يوثق به من الأحاديث.
وممّا ترشدنا له الآية الكريمة من سورة النور ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾[23] أنّ الآية استعملت تعبير ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ تارة، وتارة أخرى تعبير ﴿بِأَفْوَاهِكُم﴾ على الرغم من أن جميع الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان.
وهو إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبّلتموه، ولا تملكون دليلاً يسوّغ لكم نشره.
والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم من دون مستند ومن دون دليل، ولهذا كان ذنب ذلك عند الله عز وجل عظيم.
يعيش اليوم العالم والوطن بالخصوص أزمة متعلقة بقاتل يفتك بالإنسان بالمطلق من دون تفريق بين دينه أو مذهبه أو لونه أو لغته أو قبيلته أو منطقته.. الخ، فهو يفتك بكل ما يتمكن منه، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أو كبيرا، غنياً كان أو فقيرا.
وعلى هذا يجب على الجميع التعاون والتوحد في تشكيل جبهة شرعية علمية أخلاقية في مكافحة هذا الفيروس القاتل «كورونا الجديد COVID19».
كما على الجميع أن يتحسس المسؤولية بترك المهاترات والمناكافات الغير مجديه - لا في هذا الظروف ولا في غيرها من الظروف - سواء على وسائل التواصل الاجتماعي او على الصحف أو حتى على الفضائيات.
وبلا شك أن من يصّر على اصدار الشائعات وترويجها - سواء كانت طبيه أو شرعية أو حتى طائفية - والوطن الغالي يعيش هذا الظرف العصيب هو خائن للدين والوطن والإنسانية، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾[24] ، وهو نوع من ظلم الغير، والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[25] .
والحمد الله رب العالمين