الصحة والوقاية من الأمراض المعدية: رؤية دينية
إن من أفضل النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة الصحة، حيث إنه بهذه النعمة يستطيع أن يقوم بأعماله الدينية والدنيوية بكفاءة عالية، ويستلذ بمتع الحياة المباحة، ويستمتع بحياته على خير وجه وبأفضل صورة؛ ولذلك يجب الحفاظ على هذه النعمة العظيمة، وعدم التفريط بها، لأن من يفرط بصحته يفرط بحياته كلها.
وقد حثت التعاليم الدينية على الحفاظ عل الصحة العامة للأفراد والمجتمع، لأنها من أفضل النعم، فقد ورد عن رسول اللَّهِ ﷺ أنه قال: «خَصلَتانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ مَفتونٌ فيهِما: الصِّحَّةُ والفَراغُ» [1] ، وقال الإمامُ عليٌّ : «الصِّحَّةُ أفضَلُ النِّعَمِ» [2] ، وعنه قال: «العافِيَةُ أهنى النِّعَمِ» [3] ، وعنه قال: «لا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ» [4] ، وقال الإمامُ الصّادقُ : «النَّعيمُ في الدنيا الأمنُ وصِحَّةُ الجِسمِ، وتَمامُ النِّعمَةِ في الآخِرَةِ دُخولُالجَنَّةِ» [5] ، وغيرها من النصوص التي تحث الإنسان على المحافظة على صحته، وأنها نعمة يجب الحفاظ عليها.
وعندما يتمتع المرء بالصحة والعافية يستلذ بالحياة، ويحس بلذة الطيبات، فقد قال الإمامُ عليٌّ : «بِالعافِيَةِ تُوجَدُ لَذَّةُ الحَياةِ» [6] ، وعنه قال: «بالصِّحّةِ تُستَكمَلُ اللَّذَّةُ» [7] ، وعنه قال: «بصِحّةِ المِزاجِ تُوجَدُ لَذَّةُ الطَّعمِ» [8] .
وأما الشخص المريض فإنه يفقد الشعور بلذة الحياة، ولا يستذوق جمال الأشياء، ولا يستمتع بما أحله الله له من نعم وطيبات وخيرات، فلو قدم له أحلى طعام فإنه لا يحس بلذته، ولو قدم له أحلى شراب فإنه لايستذوقه، فالمرض يفقد صاحبه اللذة والمتعة والجمال؛ ولذا يجب على الإنسان أن يكون حريصاً أشد الحرص على صحته، وألا يستهين بها؛ فالصحة حاجة إنسانية، وضرورة رئيسة لكلّ إنسان، فهي ليست أمراً مُترفاً أو حاجة كمالية يمكن الاستغناء عنها؛ بل هي نعمة كبيرة وحاجة مهمة يجب الحفاظ عليها؛ ومع ذلك فإن بعض الناس لا ينتبهون إلى أهمية هذه النعمة الكبيرة إلّا عند المرض، والعاقل الكيّس هو من يحافظ على صحته أشد المحافظة، ويغتنم أيام صحته في العمل الصالح، ويوظفها بما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته.
وكما لا يصح للإنسان أن يفرط بصحته الشخصية، لا يصح له كذلك أن يفرط بصحة مجتمعه، لأن الحفاظ على الصحة العامة من أوجب الواجبات عقلاً وشرعاً.
مفهوم الصحة
الصحة - كما في مفهوم منظمة الصحة العالمية - ليست مجرد خلو الإنسان من الأمراض أو الإصابة بالعاهات، ولكنها تعني الصحة الإيجابية وهي: أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه بحيث تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثير من الأمراض أو بعبارة أخرى تكون لديه مناعة قوية جداً بحيث يقاوم الكثير من الفيروسات والميكروبات المسببة للأمراض المختلفة.
ويتطابق المفهوم الحديث للصحة مع نظرة الإسلام للصحة من خلال الأبعاد التالية:
البعد الأول: بناء الجسم وتحسين الصحة.
البعد الثاني: علاج وإصلاح ما يصيب الإنسان من أمراض، وهو ما يعرف بالطب العلاجي.
البعد الثالث: حماية الإنسان من الإصابة بالأمراض، وهو ما يعرف بالطب الوقائي.
وعلى الإنسان إذا ما أصيب بأي مرض أن يراجع الأطباء لتشخيص حالته المرضية، وعمل وصفة للأدوية التي يحتاجها، والأهم من ذلك أن يقوي الإنسان مناعته حتى يقاوم جميع أنواع الفيروسات والميكروبات والفطريات من خلال تناوله للأطعمة المقوية للمناعة، واتباع وسائل الوقاية خصوصاً مع انتشار وباء كورونا في العالم بصورة سريعة.
الوقاية من الأمراض المعدية
إن التوقي من كافة الأمراض المعدية، والاحتراز من الإصابة بها كفيروس كورونا وغيره من الفيروسات المعدية خير وسيلة لمواجهته والقضاء عليه، وقد قال الإمام علي : «لَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السَّلَامَةِ» [9] . وكما تقول الحكمة المعروفة: «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
وتوجد عدة وسائل للوقاية من الأمراض المعدية أرشدت إليها التعاليم الدينية وأكّد عليها العلم الحديث، ومنها:
1 - الاهتمام بالنظافة العامة:
أكد الإسلام على الاهتمام بالنظافة العامة في كل شيء، فقد قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ» [10] ، وعنه ﷺ قال: «تَنَظَّفوا بكُلِّ ما استَطَعتُم؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى بَنَى الإسلامَ علَى النَّظافَةِ، ولَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إلّا كُلُّ نَظيفٍ» [11] ، وقال الإمامُ عليٌّ : «تَنَظّفوا بالماءِ مِن النَّتنِ الرِّيحِ الّذي يُتأذّى بِهِ، تَعَهَّدوا أنفُسَكُم؛ فإنّ اللَّهَ عَزَّوجلَّ يُبغِضُ مِن عِبادِهِ القاذُورَةَ الّذي يَتأنَّفُ بهِ مَن جَلَسَ إلَيهِ» [12] .
ومن النظافة غسل اليدين بالصابون باستمرار لأنها من أكثر الأعضاء ملامسة للأشياء، وغسلها بالماء من أهم الوسائل التي ينصح بها الأطباء للوقاية من الفيروسات ومنه «فيروس كورونا»، وقد حثّت التعاليم الدينية على غسل اليدين قبل الأكل وبعده، وأن ذلك من المستحبات، فقد ورد عن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أنه قال: «غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَ بَعْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الرِّزْقِ وَإِمَاطَةٌ لِلْغَمَرِ عَنِ الثِّيَابِ وَ يَجْلُو الْبَصَرَ» [13] . وعنه قال: : «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْثُرَ خَيْرُ بَيْتِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ» [14] .
وقال الإمام الصادق : «مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ بُورِكَ لَهُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَعَاشَ مَا عَاشَ فِي سَعَةٍ، وَعُوفِيَ مِنْ بَلْوَى فِي جَسَدِهِ» [15] . وعنه قال: «اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ قَبْلَ الطَّعَامِ وَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ وَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» [16] .
وقد «ثبت علمياً أن غسل اليدين فقط ولمدة دقيقة واحدة يزيل 30 40 % من البكتيريا الهوائية، وغسيل الذراعين والوجه لمدة 15 ثانية يزيل 60 - 80% من البكتيريا الهوائية في الذراع، و65 - 95% في الوجه» [17] .
فنظافة اليدين، ونظافة الطعام هو شرط رئيس لحماية الإنسان من التعرض لكثير من الأمراض المعدية والمضرة بصحة الإنسان، وهذا ما وجهنا إليه الإسلام عبر تعاليمه وتوصياته الخاصة على العناية بالنظافة في كل الأمور.
2 - عدم حضور المصاب في الأماكن العامة:
من الوسائل الوقائية لمواجهة «فيروس كورونا» وغيره من الفيروسات المعدية هو عدم مخالطة المصاب أو المشتبه بإصابته بالفيروس للأصحاء، وعدم جواز حضوره للمجالس العامة أو المساجد والحسينيات أو النوادي وغيرها من أماكن تجمع الناس حتى لا ينقل المريض العدوى إليهم، وإذا حضر ونقل العدوى إلى غيره ضمن علاجهم كما أفتى جمع من الفقهاء بذلك، ولا يجوز له الحضور إلا عندما يتعافى تماماً ويتأكد من خلوه من المرض، فقد روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله أنه قَالَ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» [18] ، ولقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، المستفادة من قول رسول اللَّهِ ﷺ: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ» [19] ، وروي عنه ﷺ أنه قال: «لا ضَرَرَ ولا إضرارَ في الإسلامِ، فَالإسلامُ يَزيدُ المُسلمَ خَيراً ولا يَزِيدُهُ شَرّاً» [20] . ومن البديهي أن حضور المصاب بأي مرض معدٍ فيه ضرر على صحة الناس وإضرار بحياتهم، ولذلك عليه اجتناب مخالطة الأصحاء حتى يتعافى تماماً منه.
3 - تجنب السفر للأماكن الموبوءة:
من الوسائل الوقائية والاحترازية لمنع انتقال الأوبئة والفيروسات المعدية هو الحجر الصحي للأماكن الموبوءة بالمرض، وعدم السفر إليها أو الخروج منها إلا للضرورة القصوى، وذلك بهدف محاصرته والقضاء عليه، وقد أشار رسول الله إلى ذلك بقوله: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه» [21] . والمقصود بالطاعون أي مرض معدٍ.
4 - ترك عادة المعانقة والتقبيل:
بعض العادات في مجتمعنا جميلة في نفسها كعادة التقبيل والمعانقة وحب الخشوم وغيرها من صور التحية والترحيب الاجتماعي، والتي تعبر عادة عن مشاعر المحبة والمودة بين الأصدقاء والأحبة، وخصوصاً في المناسبات العامة؛ ولكن ينبغي تركها في «زمن كورونا» حتى القضاء نهائياً على هذا الفيروس المدمر للصحة العامة؛ لأن حفظ الصحة للنفس والمجتمع أهم من ذلك؛ والمحبة محرزة أصلاً بين الأحبة والأصدقاء والأقارب والأرحام؛ فالاكتفاء بالسلام عن بعد وإلقاء التحية للتعبير عن مشاعر الأخوة والمحبة تكفي في ظل انتشار وباء كورونا.
العودة إلى الله تعالى
إن انتشار وباء كورونا وغيره من الأوبئة بين الفينة والأخرى يؤكد حقيقة جليّة أن الإنسان كائن ضعيف، ويمكن أن يموت بفيروس في غاية الصغر أو بسكتة قلبية مفاجئة؛ فعلى المرء ألا يغتر بنفسه ويعجب بذاته؛ فمهما تطور العلم يبقى عاجزاً عن إدراك كل شيء، فلنقترب إلى الله تعالى؛ ونتضرع إليه، فهو وحده سبحانه القادر على كل شيء.
وعلى المؤمن أن يدعو الله تعالى من كل قلبه وبإخلاص ويقين أن يدفع عنه وعن جميع الناس الوباء والأمراض والأوبئة ما ظهر منها وما بطن، فقد أمرنا الله تعالى بالدعاء وضمن لنا الإجابة في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[22] وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[23] .
وروي عن زُرارَة عَن أبي جَعفَرٍ ، قال: قالَ لي: ألَا أدُلُّكَ عَلى شَيءٍ لَم يَسْتَثنِ فيهِ رَسولُ اللَّهِ ﷺ؟ قُلتُ: بَلى، قالَ: «الدُّعاءُ؛ يَرُدُّ القَضاءَ وَقَد ابرِمَ إبراماً - وَضَمَّ أصابِعَهُ -» [24] .
وقال الإمامُ زينُ العابدينَ: «الدُّعاءُ يَدفَعُ البَلاءَ النّازِلَ وَما لَم يَنزِلْ» [25] . وقال الإمام الصادق: «عَلَيكَ بِالدُّعاءِ، فإنَّ فيهِ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ» [26] .
ومن مصاديق العودة إلى الله تعالى أيضاً التوبة النصوح وترك المحرمات والذنوب؛ لأن المعاصي تجلب الوباء والأمراض، فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لم تَظهَرِ الفاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حتّى يُعلِنُوا بها إلّا فَشا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُن مَضَت في أسلافِهِم الذينَ مَضَوا» [27] . فظهور المعاصي وارتكاب المربقات يؤدي إلى شيوع الأمراض والأوبئة الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً.
ومما يدفع الأمراض والأوبئة الإكثار من الصدقة، فقد قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّدَقةُ تَدفَعُ البَلاءَ، وهِي أنجَحُ دَواءٍ، وتَدفَعُ القَضاءَ وقد اُبرِمَ إبراماً، ولا يَذهَبُ بالأدواءِ إلّا الدعاءُ والصَّدَقةُ» [28] ، وعنه ﷺ قال: «إنَّ اللَّهَ لا إلهَ إلّا هُو لَيَدفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدّاءَ، والدُّبَيْلَةَ، والحَرَقَ، والغَرَقَ، والهَدمَ، والجُنونَ - فَعَدَّ ﷺ سَبعينَ باباً مِنَ الشَّرِّ -» [29] ، وعنه ﷺ قال: «تَصَدَّقُوا وداوُوا مَرضاكُم بالصَّدَقَةِ؛ فإنَّ الصَّدَقةَ تَدفَعُ عنِ الأعراضِ والأمراضِ، وهِيَ زيادَةٌ في أعمارِكُم وحَسَناتِكُم» [30] . وقال الإمامُ عليٌّ : «الصَّدَقةُ دَواءٌ مُنجِحٌ» [31] .
وقال الإمامُ الكاظمُ - لَمّا شَكا إلَيهِ رجُلٌ في كَثرَةٍ مِنَ العِيالِ كُلِّهِم مَرضى -: «داوُوهُم بِالصَّدَقةِ، فَلَيسَ شَيءٌ أسرَعَ إجابَةً مِنَ الصَّدَقةِ، ولا أجدى مَنفَعةً على المَرِيضِ مِنَ الصَّدَقةِ» [32] . فأكثروا من الصدقة يدفع الله عنكم البلاء والوباء والداء وغيرها من أبواب البلاء.
وعلى المؤمن أن يسأل الله تعالى الصحة والمعافاة والعافية، فقد قال عنه ﷺ: «ما سُئلَ اللَّهُ شَيئاً أحَبَّ إلَيهِ مِن أن يُسألَ العافِيَةَ» [33] . ولَمّا سَمِعَ رسولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَسألُ اللَّهَ الصَّبرَ. قال: «سَألتَ اللَّهَ البَلاءَ، فَاسألْهُ المُعافاةَ» [34] .
وروي أن الإمام زينَ العابدين - لَمّا ضَرَبَ عَلى كَتِفِ رَجُلٍ يَطوفُ بِالكَعبَةِ ويَقولُ: اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ الصَّبرَ - قال: «سَألتَ البَلاءَ! قُلِ: اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ العافِيَةَ، والشُّكرَ عَلَى العافِيَةِ» [35] .
وعلى المؤمن ألا يجزع أو يقلق من انتشار أي مرض أو وباء، بل عليه أن يأخذ بالأسباب، ويتضرع إلى الله تعالى، ويسأله العفو والصحة والسلامة.
نسأل الله تعالى أن يدفع عن الجميع فيروس كورونا وغيره من الأمراض المعدية وغير المعدية، وأن يلبسهم الصحة والعافية، ويديم ة في دينهم وبدنهم وأنفسهم، بحق محمد وآله الأطهار.