آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

حفلة الأفكار السوداء

سلمى بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

رغم استلقائي مقيدة دون حراك داخل تجويف المغناطيس الضخم الأشبه بتابوت أبيض بارد مليء بالضجيج، إلا أني كنت آمنة مطمئنة ليقيني بأن تصوير الرنين هذا ليس إلا إجراء روتيني، الأمر الذي انقلب رأسًا على عقب عندما داهم ثلاثة أخصائيين وممرضة من زملائي غرفة الفحص والهلع بادٍ على وجوههم لإبلاغي أن الطبيب يطلب حقن الصبغة، الأمر الذي يعني أن هناك خطبًا في الصورة.

حينها استعنت بكل خبراتي الطبية لتوقع أسوأ الاحتمالات الممكنة، السيناريوهات المتراوحة بين المرعبة والمرعبة جدًا، بددت طمأنينتي واستبدلتها بكمٍ هائلٍ من السلبية والقلق.

الغريب أن تدفق الأفكار السلبية ابتعد بي تدريجيًا عن مخاوف التشخيص إلى مناطق مظلمة أخرى من ذكريات وانكسارات ومواقف، هناك مقيدةً للسرير الأبيض البارد، كنت أحضر حفلة، حفلةً للأفكار السوداء.

في الحقيقة ما حدث لي هو سلوك إنساني شائع، فعندما تزورنا المشاعر السلبية من غضب أو حزن أو قلق فإننا نفتح باب مغارة السلبيات في حياتنا، ونبدأ في اجترارها واحدةً تلو الأخرى، غير مدركين أن ما نقوم به مجرد عملية إلهاءٍ وتشتيتٍ ذاتية وهروبٍ من مواجهة الحدث الحقيقي الذي يؤلمنا.

نجدل تلك السلبيات في سلسلةٍ أثقل من أن نحملها فننهزم أمامها ونستسلم، متناسين أن هذه المشاعر في الكثير من الأحيان صفارة إنذارٍ تستدعي المواجهة واتخاذ القرارات والتصرف بدل الهروب منها، تجاهلها أو الاستسلام أمامها.

غالبًا نجد المشاعر السلبية كضيف غريب لا نعرف كيف نستقبله، فبين من يغرق بها ويغيب في غياهبها طويلًا وبين من يتجاوزها سريعًا دون الوقوف بها، فيدفنها بدل أن يسمح لها بالرحيل غير مدركٍ أن هذه الجثة وإن طال الزمان ستنتن.

المشاعر السلبية وبالرغم من اسمها فهي تحمل بين طياتها الكثير من الإيجابية، فرب غضبٍ كان بدايةً لدفع ظلمٍ أو ضرر، ورب خوفٍ كان سببًا للنجاة من المهالك، حتى الحزن تطهير للروح وعودة للإنسانية النقية، يقول نزار قباني «لم أعرف أبدًا أن الدمع هو الإنسان ** أن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان» لذا لنتوقف عن الغرق أو الهرب ولنبدأ المواجهة.

بالمناسبة وإن كان يساوركم السؤال فنتائج فحوصاتي سليمة.