آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

الثقافة الوقائية منهج في مواجهة «عابر القارّات»

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

في تاريخ الأوبئة التي تسجل تفشّيًا وانتشارًا واسعًا في العالم، تتخذ بلدان العالم، وتحت توصيات منظمة الصحة العالمية، خطوات وقائية تعتمدها كمنهج أساسي في مواجهة أي وباء في العالم.

ولا يمكن أن تُنسى آثار بعض الأمراض الفيروسية التي مرّت على مناطقنا في فترات بداية النصف الثاني من القرن الماضي، مثل أمراض الحصبة والجدري، حيث كانت أمراضًا فتاكة، تخطف الأرواح، أو تسبب العاهات والآثار الصحية البالغة.

وفي تراثنا العربي يأخذ الطبّ الوقائي موقعًا متقدمًا منذ عصور التقدم العلمي العربي، ومن ذلك الرسالة الذهبية في الطب النبويّ، التي حققها غير واحد، ومن أبرزهم الدكتور والباحث في التراث العلمي والطبي محمد بن علي البارّ، حيث عدّ هذه الرسالة أول رسالة في الطب الوقائي العربي، واستعرض مفهوم الطب النبوي ضمن الإصدار ذاته، كما أورد أقوال بعض العلماء المسلمين حول المفهوم، في اهتمام بهذا الحقل العلمي الذي يأتي تحت تبويبات علوم الطب والصحة الوقائية في ثقافتنا.

ولأنّ العالم اليوم يشكو من تفشي وانتشار فيروس كورونا المستجد أو ما يسمى اختصارًا «كوفيد - 19»، فإنّ الطبيعة المجهولة للفيروس الذي كثرت حول ظهوره وأسبابه الأقوال، تحتاج إلى مواجهة ويقظة عالية.

فالفيروس الذي انتقل من الصين، حيث ظهر فيها الفيروس أواخر السنة الماضية، انتقل إلى بعض البلدان في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية، وصارت البلدان تتعاون بتطبيق أعلى الوسائل الوقائية.

وبفضل الله تعالى، تبذل الأجهزة الصحية والرسمية في السعودية أقصى الإجراءات الصحية والوقائية، التي تعتمد على أسس التحصين والوقاية، في مواجهة هذا الوباء الذي صار عابرًا للقارات.

ومع التخرصات الكثيرة والظنون التي تفرخها الشائعات، يتوسع الدور الذي تبذله البلدان في تنفيذ خطط الوقاية واستعدادات المواجهة والعلاج، ويتضاعف الجهد بما يتسبب في هدر جهود كان يمكن ضخّها في المسار الرئيسي وهو تطبيق الاعتبارات الصحية الوقائية على أعلى مقاييسها ومعاييرها الاختصاصية والمهنية.

أحدنا، أيضًا، قد تجذبه رواية عيون الظلام The Eyes of Darkness، للأمريكي دين كونتز الذي نشرها في 1981 باسم أدبي غير اسمه الحقيقي، وهي الرواية التي أثارت حاليًا لغطًا، مع ما ينسب إليها بوجود فبركة بين طبعاتها، حين تشير تارة إلى مدينة روسية وتارة إلى مدينة ووهان الصينية، في سرد يتضمن تصنيع ميكروب وبائي في أحد المختبرات، في زعم إلى أنّ ثمّة تشابهًا مع ما يجري من وقائع وباء فيروس كورونا المستجد، وهو أمر بعيد عن ذلك.

إنّنا أمام واقع يمثل مشكلة صحية واسعة، ويتطلب من الجميع في كل بلد أن يلتزم بالتوصيات والتوجيهات التي تصدرها الجهات الصحية والرسمية، وهذا يُلحظ هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوزارات الصحة في مجلس التعاون الخليجي وجميع الوزارات والأجهزة التي تعمل على تحصين المنطقة أمام هذا الفيروس المستجد.

وإذا كان الأمر عاديًا لدى بعض الذين تعاملوا بسطحية مع أخبار ظهور الفيروس في الصين قبل ما يزيد عن الشهر، فإنّ الضرورة اليوم تفرض واجبات ومسؤوليات علينا جميعًا بالتعاون في المحافظة على بيئة صحية تتبع جميع الإرشادات والنصائح الرسمية، كما أنّ التهويل المبالغ الذي يظهر عبر تناقل صور أو مقاطع مرئية لبعض الفرضيات التي قد تجريها الأجهزة الطبية ضمن خطوات الاستعداد والاحتراز، يتسبب في عدم المصداقية وإلى تغليب لغة السطحية على ثقافة الوعي، وبالتالي تنتشر الأخبار المفبركة حتى ولو بدون قصد.

هنا تشكر جميع الجهات الصحية وكل الفرق الطبية على الأدوار التي يبذلونها، وكذلك الجهات الرسمية في السعودية ودول مجلس التعاون الشقيقة، عبر تبنيهم استراتيجيات دقيقة متزامنة، سواء فيما يتعلق بالسفر أو البرامج الرياضية والبرامج الوطنية والاحتفالية التي تتضمن حضورًا جماهيريًا ونحو ذلك.

وتتجلى الخطط التي تتبعها مملكتنا الغالية في تأكيد الحرص على تطبيق كل التفاصيل المتعلقة بهذه الخطط، بما يكفل سلامة الجميع إن شاء الله.

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا، هو الدعاء القرآني الكريم الذي تلهج به قلوبنا، حفظ الله البلاد والعباد.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.