الزهراء ملهمة الأجيال
من يتتبع حياة هذه السيدة الجليلة - سلام الله عليها - يجد أن العطاءات التي قدمتها للإنسانية تتباين وعمرها الزمني الذي عاشته، إذ أن ما ظهر منها كان متقدمًا على بضع السنوات القلائل التي قضتها، ويتجلى لنا ذلك من خلال الوقوف على عدة دوائر أسهمت فيها بشكل جلي وواضح.
نجدها - سلام الله عليها - أسهمت بشكل كبير في رفد صاحب الرسالة للقيام بما هو مناط به، ولا يخفى على كل ذي لب مقدار التعب والنصب الذي يطال الإنسان جراء ما يقوم به من مهام الإصلاح والتغيير سواء ما كان على المستوى النفسي أو البدني، فالآيات القرآنية الزاخرة تشير إلى ما لقيه النبي الأكرم ﷺ في تحمل ذلك الأسى، حتى جاءت آياته تسكن من ذلك التوجع ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، فكان دورها أنها خير مأوى لتلك الآلام التي كانت تثقل قلبه ﷺ ومن يجلي الأتعاب عنه، ولذا جاءت تلك الكلمة التي قالها في حقها بأنها «أم أبيها» لما تحمله من قلب حاني وقادر على أن يبث الحياة من جديد في روحه الطاهرة.
كانت الأنموذج الحي التي جسدت معنى الطواعية التامة في سبيل علاقتها بابن عمها أمير المؤمنين حتى قال: ”تالله لم أُغضب فاطمة يومًا ولم أجبرها على شيء قط، وهي أيضًا لم تُغضبني ولم تُخالف أمري قط“ فتلك العلاقة الوطيدة التي لها عميق الأثر على تشكل الكيان الأسري في بيتها - - حتى أضحت مهداً حاضناً ومستقراً يملك مقومات بناء الشخصية الإنسانية بكل جزئياتها الكاملة.
هي تلك السيرورة الطبيعية للعلاقة الأسرية المنتجة والمستقرة والمتكافئة على كافة المستويات، حيث أنها صقلت هؤلاء الأبناء الذين سوف يصادفهم الكثير في مسيرتهم الرسالية، وبثت في نفوسهم الطاهرة كل مقومات الكمال التي تحدو بالإنسان أن يسير وهو يرقبُ الله في كل حركة أو سكنة تصدر عنه، كيف لا. وهي من تخلق القيمة في روح الموقف فحينما ترفع أكف التضرع والدعاء فإنها تبدأ بالجار قبل الدار، وحينما تطعم المحتاج وهي في أمس الحاجة لما في يديها الكريمتين، وكل ذلك الصنيع كان على عينيّ هؤلاء الأبناء.
لم تكتفي الزهراء - - أن تقصر دور المرأة على جملة الأعمال المنحصرة بالدائرة الضيقة فحسب «وإن كانت هي الأساس في ذلك»، بل أعطت مفهوماً مغايرًا لما يتوجب على النسوة التي يحملن مشعل الهداية في كل الأزمان، فكانت تلك المرأة الواعية التي تتواجد في الأماكن التي يرضاها الله، وما يدفعها إليه حسها الإيماني، فكانت تذب وتدافع عن الحقوق المسلوبة، وما قضية فدكها بخفيّة على المتتبعين، إذ أنها تلمست ناقوس الخطر الذي بات يداهم ذلك الجسد الإسلامي ليحرفه عن مساره الطبيعي الذي شاده النبي الأكرم ﷺ، فكانت تلك الممارسة لا تُحسب على أشخاص بعينهم فحسب بل بما يتمثلونه من موقعية واسم قام على كاهل أبيها الأكرم ﷺ فبوادر انحراف الرسالة الإسلامية باتت واضحة إليها من تلك اللحظة، وعليه قامت بما قامت به، لتنبه القوم بما يصنعون ويقومون به.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّا.