عبادة المشاعر
هل تحققت لك حالة من حالات الثراء الروحي، أزهرت بداخلك مواطن الشعور البهيج حد الإمتلاء؟، وماذا عن مدى قدرتك على تخليص روحك من ثقل شعور ألمَ بها؟، وماذا عن الآثار المتعلقة بمستوى استقرارك النفسي، والناتجة عن اختيارك لآفاق أو وديان تدفقت مشاعرك إليها؟
تٌعرف المشاعر على أنها جملة من الأحاسيس تحملها بواطن نفوسنا تجاه حالة معينة نمر بها أو تجاه شخوص كان هنالك مدعاة للتعامل معهم، أو تجاه كل عمل ُيكسب صاحبه درجة من المتعة أو المعاناة. تُعد المشاعر من الأسس المحددة لطبيعة الروح، ووسيلة من خلالها تترجم الرغبات، وقوى داخلية لإنعاش التفكير وتعزيز العمل العقلي.
تتبدل الحالة الشعورية لكل فرد وفقًا لطبيعة الموقف الذي يمر به وما يمتد إليه من أبعاد، فبين حالات الهلع والغضب والصدمة يستجيب الجسم البشري الإستجابة الفسيولوجية المناسبة، التي تتمثل في ازدياد معدل ضربات القلب، وتسارع معدل تدفق الدم إلى اليدين، واحتقان في تعابير الوجه، وهذا الحالات تشير إلى الطاقة الذبذبية المنخفضة في مقياس المشاعر لصاحبها «مقياس هيكس للمشاعر»، تعلل الباحثة هيكس تواجد هذه الحالة من الشعور إلى تواجد فكرة مظلمة بمخيلة صاحبها، وأوضحت أن الإستسلام لهذا المنحى الخاطىء من التفكير قد يهوي بصاحبه إلى أوهن حالات الشعور وأخطرها كاليأس والإكتئاب.
يستطيع الفرد أن يحدد مستوى الحالة الشعورية التي يمر بها، والأولى أن يتعرف على الآلية التي ترتقي بمشاعره إلى مستويات الشعور المثلى تدريجيًا. يستغرق الكثيرون جل أوقاتهم وعلى نحو مستمر في التفكر بذكريات آلمتهم، ويؤثرون الإستئناس بها عوضًا عن الإلتفات تجاه ما يحفهم من عناصر مبهجة، ليس المقصود أبدًا هو عدم السماح لحالات السلب أوالإستياء بأن تمر من خلالنا ولكن المراد من التعرف على آلية الإرتقاء بالمشاعر هو معرفة كيفية تحرير تلك المشاعر المجهدة بالشكل الملائم، ونبذ التعاطف مع الذات بإستبقاء هذه الحالة من المشاعر كنوع من السلوة. يخصص الفيلسوف الفرنسي ميشيل لكروا جزءًا من بحثه عن اهتمام الإنسان المعاصر بالمشاعر في كتابه عبادة المشاعر وعن ظاهرة تقديس المشاعر وصولًا إلى تسميتها ب ”آلهة العصر“. يشير لكروا ”أن الإنسان المعاصر يفضّل مشاعر الصدمة المتهيجة، وإحساس الارتعاش والتفجر والانفعال العنيف كنوع من العبادة على مشاعر التأمل والخشوع. وإذا رأينا الأوصاف النفسية التي تقدمها روايات القرن التاسع عشر - مثلاً - للشخصيات سيظهر لنا بوضوح الخلل في كيفيات الشعور والإحساس“
المشاعر مرآة لهويتنا العميقة إن اتسمت بالصدق، ومتى ما اتسق نضجها ارتبطت بالقيم السامية المتمثلة بالتآخي والتعاطف والرحمة والإمتنان. حريُ بنا أن نوظف هذه المشاعر نحو كل ما يثري جوهرنا الإنساني، ويعزز غاية انتمائنا ضمن مصاف المتأملين العارفين، وأن نستنقذها من غياهب السفه والإبتذال.