عصر مثير للجدل
منذ بدايات القرن السابع عشر ومع ظهور الصحافة الورقية بشكل مقارب لما نعرفه الآن ولد فن «المانشيت» وهو اختيار عنوان لافت وجاذب يشد القراء، مع مرور الزمن فقدت «المانشيتات» مصداقيتها في حين لم تفقد بريقها وقدرتها على شد الانتباه.
اليوم ومع ثورة الإعلام الحديث ووسائل التواصل أصبحت تلك «المانشيتات» الصارخة والتي تشبه كثيرًا إشارة المرور الحمراء تقفز في وجهك كلما أمسكت بهاتفك فتجبرك على التوقف والاستطلاع، والمزعج في الأمر أن ما يتم لفت نظرك له بالعنوان الأكثر شيوعًا «مثير للجدل» لا يعدو في أغلب الأحيان كونه خصوصيات تافهة للمشاهير.
في الماضي كان ما يثير الجدل فتنًا أو تغييرات تمس حياة الناس، عقائدهم، معاشهم، حقوقهم وغيرها، في التاريخ الإسلامي على سبيل المثال برزت فتنة خلق القرآن أو تحريم الفلسفة أو فرصة الثراء الصاروخية على يد الكيميائيين وتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، في عصر التنوير كانت تنحية الكنيسة وتسيد العلم والعقل نقلة فكرية ضخمة شغلت الناس.
في عصر الثورة الصناعية كان اختراع الآلة وما تبعه من خسارة آلاف الوظائف حدثًا جللًا مثيرًا للزوابع والاعتراضات والجدل، التغييرات الاجتماعية سريعة الوتيرة والتي اندرجت تحت مسمى السعودية الجديدة والتي تشمل تغيير العديد من القوانين مما يمس نمط حياة المواطنين بشكل مباشر وتهز موازين القوى الجندرية والدينية والاجتماعية هي موضوعات جديرة بإثارة الجدل.
أما أن يكون وقوف سيدة في مطبخها لتعد مكرونة بالدجاج وتقطع البصل هو الفيديو الأكثر تداولًا وبالطبع المثير للجدل، فتلك صفارة إنذار تدل على أننا كمجتمع منفصلون عن الواقع مخدرون تمامًا بالتفاهة، مشغولون جدًا بمراقبة الناس كنشاط يومي، عقولنا مشحونة حد التخمة بعلم سخيف تافه لا ينفع.
موجة الزبد هذه صنيعة أيدينا، نحن من نحول التافهين إلى مشاهير، نحن من نضيع حياتنا ووقتنا الثمين بالانشغال بحياة الناس، ونحن أيضًا من يستطيع أن يوقف هذا المد الهادر من السخافة، وذلك بخطوة واحدة فقط، حين يصل لكم كل ما يصنف كعلم لا ينفع أرجوكم لا تعيدوا تدوير التفاهة.