نماذج داعمة لبيئة التنمر اللفظي
في بعض الدول التي تفتح قاعات برلماناتها للسواح والزائرين تمنع في نفس الوقت بروتوكولاتها جلوس أي شخص من الجلوس على منصة رئيس البرلمان، باعتبار أن لهذه المنصة تقدير وقدسية خاصة ومختلفة عن سائر أركان تلك القاعة بل كامل مبنى البرلمان الذي يحظى بهالة وهيبة فرضها القانون.
في الجانب الآخر، نلحظ كثير من التغريدات والمقابلات التي تتحدث وتدعو بل تشجع بشكل مباشر وغير مباشر - وبمسوغات جميلة الشكل واهية المضمون - للتنمر على الإنسان نفسه سواء من نعرفه أو حتى استباقا لمن لا نعرفه على حد سواء بذريعة عزة النفس والحرية الشخصية أو باعتبار ذلك من دروس الحكمة أو احد أساليب الحياة الصحيحة، لقد أصبحنا نشاهد هذه الحالة من قبل أهل النصح الإلكتروني بل حتى في الإعلام بين المقدم والضيف وكأنه أسلوب ونمط من أنماط الحياة والتواصل.
نتحدث هنا عن النماذج الداعمة لبيئة التنمر باعتباره الجزء الظاهر لمنظومة العنف الذي هو أحد عناصرها، وليس باعتباره ظاهرة مستقلة، ولمعرفة حجم هذه الأخطبوط، أود أن استعرض مجموعة من النماذج الداعمة للتنمر التي يمكن للقارئ الكريم اشتقاق عدة أمثلة أخرى من كل نموذج.
أن تنمر الفئات الاجتماعية على بعضها البعض
هو من النماذج الظاهرة التي بدأت تتمظهر أكثر الآن، ومن أبرز أمثلتها هو حالة العداء الذي يرفع رأيته ظلماً تحت مصطلح النسوية ضد كل شيء يخيل أنه رجل.
هناك أيضا تنمر آخر لا يقل فتكًا بالمجتمع وأن كان أقل ضوضاء وهو حالة تعالي الاجيال على بعضها البعض، لعلها ردت فعل للتذمر التلقائي للجيل الأكبر من الجيل الذي قبله وشعوره بأن جيله أفضل من الجيل اللاحق، تنمر الاجيال الحالية التي تم تسميتها او ترميزها برمز x ورمز y ورمز z
ربما وجد أو فهم من هذا الترميز على أنه تفضيل وليس توصيف فقط، فقد تحول هذا التوصيف لأداة للتنمر شبيه بتنمر مشجعو فريق رياضي على مشجعي الفريق الآخر الغريم.
النماذج الداعمة لبيئة هذا التمر اللفظي الذي نتحدث عنها تمتد الي فئة نعتقد انها عزيزة علينا وهي فئة المتقاعدين، ونتساءل هنا كيف تكون عزيزة ونحن نهمرها بالنكات اللاذعة ونتعامل معها وكأنها الفئة المنبوذة والعالة على المجتمع. بل حتى بعض اليافعات أصبحنا يصفن بكل براءة وتلقائية أي عمل غير متقن سيما ما له علاقة بالتقنية بأنه ”عمل أمهات“!!
على مستوى الإعلام هناك أخطبوط من النماذج الداعمة للتنمر أيضا، استطيع ربطه أو مقارنته بحالة سابقة عندما كنا صغارًا، حيث كان الآباء يحذرونا من رفقاء السوء وضرورة اختيار الصلحاء منه، باعتبار أن تأثير الصاحب لا يقل اذا لم يفوق تأثير البيت كما هو معلوم، أما اليوم فكل التحذيرات والحذر تتجه صوب الإعلام ووسائل التواصل التي هي أكثر رفقة وتأثيرًا في حياتنا من كل ما عداها، فهي تبث الأفكار والسلوكيات التي ترغب هي أن نكون عليها ونتبعها بدون شروط، وهي تتفنن في ذلك الآن ونحن وابناءنا تحت سيطرتها بشكل شبه محتكر ومخيف. فشكل العلاقات الإنسانية كلها تقريباً أصبح يتحكم به ويشكله الإعلام الذي نتابعه ونتبعه، فهو الذي يحدد معايير ومتانة الصدقات والعلاقات المختلفة مع بعضنا البعض، وهو الذي يختار اللغة والمصطلحات المستخدمة والنبرة في التعامل أيضا، مؤخرا شاهد الجميع اللغة والاسلوب الذي تحدثت به مذيعة في قناة تلفزيونية مع ضيف البرنامج بتلك اللغة والاسلوب والنظرة التي تخالف كل الأعراف المهنية والحلقة موجهة لفئة الأطفال. الذين هم بحاجة إلى لغة أكثر هدوء وود.
لقد فرض علينا الإعلام المواقف والصور التي نتعاطف معها حد البكاء، كما فرض علينا أيضا الصور والمواقف التي تضحكنا، بل أنه فرض علينا معايير تحدد مع من نتعاطف ومن نكذب، لقد جعلنا أشبه بنسخة كربونية واحدة، فصرنا عرضة للتجهيل المنظم بدلاً من التعليم والتعلم،
أن التنمر أو التوحش أو التغول، لا يهم الآن معرفة الاسم الصحيح أو الدقيق لوصف الحال الذي نراه ونستشعر آثاره لا يأتي فجأة بل يأتي ويتكثف عبر النماذج الداعمة له،،
أن تشويه مصطلح النسوية بجعله رأس الحربة لمقاومة جنس الرجل هو شبيه بتشويه الدعوة للفردانية أيضا باعتبارها الحبة السوداء لكل المشكلات التي تعاني منها المجتمعات، وهي دعوات تثير الاستغراب بل التعجب الذي يصل للاستهجان.