درسٌ قبل الإعدام
بعد مكوثه ردحًا من الزمن في سجون سيبريا وبعد نجاته من الإعدام في اللحظة الأخيرة، كتب دوستويفسكي لأخيه «حين أنظر إلى الماضي، إلى السنوات التي أضعتها عبثًا وخطًا، ينزف قلبي ألمًا، الحياة هبة، كل دقيقة فيها يمكن أن تكون حياة أبدية من السعادة، فقط لو يعرف الأحياء هذا!، الآن ستتغير حياتي، الآن سأبدأ من جديد».
يمكن لهذا المقطع أن يصف - بكثير من الدقة - تلك الحسرة التي ينبغي أن تنتابنا جميعًا حينما نسترجع شريط الذكريات ونجد فيها الكثير من الأوقات التي مرت من أعمارنا دون أن ندرك قيمتها الحقيقية، ودون أن يكون لها قيمة تكاملية تضاف لما نمتلكه من علم ومهارة، وبذلك فإننا نحتاج دائمًا لتلك الهزات التي توقظ فينا أهمية الوقت، وتلك التي تجعلنا متأكدين أنَّ أعمارنا تمضي وبها الكثير مما يستحق أن نتعلمه ونحسنه، وننقله يومًا بعد آخر لأجيالنا القادمة.
يتفق البشر أنَّ لهم في اليوم أربعةً وعشرين ساعة، ولكلِ واحدٍ منهم الحق في استثمار هذا الوقت أو هدره، هناك من يدعي أنَّ الوقت أقصر من أن نستطيع فيه بلوغ ما نتمناه، الفيلسوف والخطيب الروماني لوكيوس سينيكا يرد على هذا المعنى بقوله «نحن جميعًا نشكو من قصر الوقت، ومع ذلك فإنَّه لدينا منه أكثر مما نعرف ماذا نفعل به، فنحن دوما نشكو من أنَّ الأيام قليلة، ونتصرف كما لو أنها بلا نهاية».
هكذا هناك من يبلغ من الدرجات مقدارًا عظيمًا حينما يستثمر وقته في التكامل والعكس صحيح، النقطة المهمة هنا هي أنَّ خسارة الوقت لا تعوض، فالوقت الذي يمضي لا يمكن إعادته، وبذلك فإنَّ ثروة الوقت هي الثروة التي لا تقدر بثمن، وهي من يمتلكها الناس جميعًا دون فرق بين غني وفقير، أحد أهم الطرق التي يمكن من خلالها استغلال الوقت هي وضع أهداف مستمرة من شأنها الارتقاء بالإنسان والسعي الدائم في تحقيقها، فالإنسان حينما يشعر أنَّ لديه أهدافًا واجبة التحقيق فإنَّه في الغالب يعيش استفزازًا نفسيًا يجعله في عمل دؤوب لبلوغ غاياته، وكلما أنجز هدفًا شعر بسعادة النصر وبلوغ الغاية.
ورد في الحديث النبوي الشريف «اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حَياتَك قبلَ موتِك، وصِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، وفراغَك قبلَ شُغْلِك، وشبابَك قبلَ هَرَمِك، وغِناك قبلَ فقرِكَ»، وفي حديثٍ آخر «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ»، هكذا إذن يمتلك جميع البشر الخيار في أن يصلوا لأعلى المراتب حينما يعرفون أنَّ الوقت هو ثروة من الواجب استغلالها بالحد الأقصى، وحالما لا يعي الإنسان هذه الحقيقة فإنَّه في الغالب يقترب يومًا بعد آخر من النهاية دون أن يتقدم ولو لخطوات قليلة في مسلك التكامل.