نجيب الزامل.. رجل التسامح
إنسان يتمتع بخصال وصفات قلما تجدها مجتمعة في شخص واحد، فقد جمع العديد من مزايا النبل والتواضع والمحبة واللطف والصداقة والعطاء والإنسانية، رحم الله أبا يوسف صاحب الابتسامة الجميلة والنكتة اللطيفة، والذي لا يمر ذكره في محفل إلا والكل يستأنس بذكره الطيب وجلساته الممتعة.
أكثر ما لفت انتباهي وشدني إليه هو تسامحه العفوي مع المختلفين عنه، فهو ينظر للناس كلهم كمدارس يستفيد ويتعلم منها، بغض النظر عن أي انتماء أو توجه، لا تراه يكره أحدًا مطلقًا، وتلحظ عليه أنه يستشهد في مقالاته بتجارب إنسانية مختلفة ويأخذ الدروس والعبر منها.
في إحدى مشاركاته بمنتدى الثلاثاء الثقافي قبل سنتين على إثر حادثة الدالوة الإرهابية تحت عنوان «الأحساء جرح وطن»، تناول «الزامل» مفهوم التعايش من زاوية مختلفة، معتبرًا إياه بأنه مصطلح مستورد وغريب على مجتمعنا السعودي وينبغي ألا نقبل به لكونه يفصل بين المكونات الاجتماعية ويجعلها مختلفة وتحتاج لمشروع «تعايشي»، ومؤكدًا على أن المحبة هي التي نحتاجها للم الشمل «فنحن لسنا أطرافًا متعددة، بل إننا مجتمع واحد متماسك ومتشابه».
التسامح الحقيقية يبرز في كل أفكاره وممارساته، فهو الإنسان المتصالح مع ذاته والذي يعبر عن ذلك من خلال فهمه الواعي لدور الإنسان الإيجابي في إعمار الكون، واعترافه بحق كل إنسان في الاعتقاد بما يراه مناسبًا، بل والأكثر من ذلك استعداده الكامل للدفاع عن حق الآخرين في تبني الأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بها.
يتذكر المرحوم «الزامل» في أحاديثه المتكررة حالة الانسجام والتفاهم والمحبة التي عاشتها مجتمعاتنا، فيستعيد في سجل ذاكرته «خزنة رحيمة» عندما اكتشف إثر الحريق الذي شب في سوق رحيمة بالمنطقة الشرقية أن بعض التجار السنة كانوا يأتمنون زملاءهم الشيعة لوضع أموالهم في الخزنة، معتبرًا ذلك قمة التفاهم «وليس التعايش كما يراه».
من مناهجه المهمة في التسامح خلق أطر أهلية تساهم في دمج الشباب من مختلف المذاهب والاتجاهات في أعمال تطوعية للتشجيع على حالة الاندماج ومواجهة المد الطائفي الذي عصف بالمنطقة، فهو لم يتخذ موقف الحياد السلبي بل اتجه لخلق مبادرات إيجابية ترمم ما انهدم من علاقات فاعلة بين مختلف المكونات، فهو يتحدث عن القصيم والقطيف والإحساء والحجاز بنفس اللغة بحيث لا تستطيع تحديد انتمائه ومنطقته.
لقد جسد نجيب الزامل - رحمه الله - مفهوم التسامح بأجمل صوره، وكانت علاقاته الإيجابية مع مختلف التيارات والمذاهب والشخصيات من مختلف الاتجاهات عنوانًا بارزًا لذلك، فلا يستنكف من لقاء أي شخص ولا تراه تصادميًا معه حتى وإن كان مختلفًا عنه في الرأي والموقف.
إن مظاهر المحبة الكبيرة التي نشهدها اليوم عند رحيله تأتي تتويجًا لمواقفه السمحة وعلاقاته الفعالة ومبادراته الاجتماعية المحفزة، فقد كان حاضرًا في كل مشهد يتطلب وجوده، ومثالًا يقتدى به في التسامح الحقيقي.