السيد علوي السعيدي ”المعلم“ الذي أرخ آخر الكتاتيب بالقديح
دعونا نعيد مؤشر الزمن إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات الميلادية ونتأمل كيف انتشر التعليم حين ذاك والتي لا تختزن الذاكرة منها غير الآخر الأخير جدا في عملية التعليم ب ”الكّتاب“ جمعه ”كتاتيب“ حيث ان الوالد حفظه الله كان من رواد تلك المهنة ”معلم“.
لا يمكن الحديث عن الكتاتيب بالقديح دون ذكر المعلم ”علوي“ اجل السيد علوي السعيدي الشخصية العصامية الذي جمع ما بين مهنة التعليم ”معلم“ والمهن الأخرى اليدوية مثل الخبازة والنجارة والبناء والفلاحة وولخ، متدرجا بالأعمال متخذا له مداخل كثيرة واعمال جمه. اعطاني عدة اوراق مدون بها قصائد يتحدث فيها عن حياته شعرا وهذه بعض ابيات منها:
ضاقت بي الدنيا وضليت محتار
بالمزرعة يوم ويوم على حمار
يوم الدواجن مهنتي ويوم خباز
ويوم ادور لي عمل وين ماصار
يوم قريب وراحتي داخل البيت
ويوم بعيد ونومتي خارج الدار
ويوم ادور بمرحلة بقل ورويد
وبالحفر يوم وبدلتي كلها غبار
يوم احصل لي عمل يهدأ البال
وان مالقيت تحيرت كل الافكار
والسكن بالمنه على أكثر الحالات
وبعض الاماكن يمكن يصير بآجار
ولو صار بالغربة ثقل في المصاريف
تعبت العاجز حالته وخربت الدار
موظف الصحة ولا انسى عملهم
المناوبة عندهم مع الليل النهار
ودشيت في ضمن الصناعه والاعمال
بالخيزران او بالسباكة او نجار
ويوم من الايام حطيت دكان
وصار الاسم موجود بأوراق تجار
واعمال واجد ماحصرني في عددها
راحت عن الفكرة وضاعت بالاخبار
هذي حياة العاجزين المساكين
لايوم مرتاح ولايوم ختار
الله يعوضنا عن اللي لقيناه
ويرحم قبلنا اللي قضوا كل الاعمار
منذ نعومة اظافره وهو يجاهد تعلم تعلما ذاتيا هادئ الطباع كريم الاخلاق يتكلم بجديه تامه لا يميل للشهرة بتاتا متواضع من رأسه حتى اخمص قدميه، يعجبني ما يملك من شخصية فريدة يتمسك بآرائه، ورايي بأن مثل هذه الشخصية قليلة في المجتمع هذا الزمان، لأنه هادئ الطباع ومتساوي التفكير، له قصيدة بالشعر الفصيح رأيتها عند الوالد حفظه الله، رجل نظامي دؤوب على مواصلة صلاة الجماعة، ينتظر كل يوم اشراقة الشمس يرتجل سالكا طريق المقبرة لزيارة ارحامه، دائما يرتجل من منزله إلى دور العبادة كالمسجد والحسينية ومجالس العادة الحسينية ”العزية“ مشاركا الناس همومهم وافراحهم بروحه الطيبة الساكنة التي تكمن في شخصه، السيد من اولئك الذين إذا تحدثت معهم احببتهم.
”معلم علوي“ اشتهر بهذا اللقب بالقديح وجوارها، عرفته منذ الطفولة وتعلقت عيناي بمشاهدته لأننا سكنا في حي ”المقيبري“ احدى احياء القديح الحبيبة، يسكن في زاويه يتخللها زقاق ضيق، استضافني يوما وحينما دخلت مجلسه ارجعتني الذكريات لتلك الحقبة المنسية، بعد دفة الباب الخشبي تتلقاك عبارة معلقة على الحائط حكيمة معبرة تدل على روح هذا السيد المؤمن، وفي احدى الزاويا اثاث متواضع يلهمك بأن هذا الرجل لا تهمه زخرفات الدنيا ولا هوانها، عندما تلتقيه للوهلة الأولى تشعر بأنك تعرفه منذ زمن.
ولد بالقديح عام 1353 هـ جري، بدأ حياته معتمدا على نفسه درس في الكّتاب على يد الخطيب الحسيني ملا حسن المقيلي «1330 - 1413» رحمه الله، وفي فتره وجيزة كون لنفسه مكانا ببيته ونجح نجاحا ملحوظا في تعليم اولاد قريته حيث اصبح ”معلم“ يشار له بالبنان، تعددت سكناه متنقلا بين ثلاثة بيوتات، كان مسقط رأسه منزل يلاصق مسجد الشيخ ”القريب من الوادي“ والثاني قرب مسجد ”ابو النعوش“ غرب البلدية، والثالث المسكن الحالي حيث يعيش وقد كان يعلم قراءة القرآن والقراءة والكتابة والحساب، ما يقارب الخمسة والثلاثون سنه، فقد تعلم على يده اكثر من ألف طالب في سنوات ومراحل دراسية مختلفة.
السيد علوي السعيدي حفظه الله من الرجال المؤمنين الذين تزخر بهم المنطقة ويستحق منا الكثير وارجو انني قد قدمت ولو لمحة بسيطة عن حياته فله حق علينا كمجتمع ان نقدر ونكرم العلم وأهله.