حقيقتهم
ربما قد أضنانا المسير في بحثنا عن الغاية التي تسمو بها أرواحنا وتسكن إليها عزائم نفوسنا، وربما قد خارت قوانا نحو حتف الخيبات حيال تحدٍ لم نعتد له كما ينبغي لنغنمه. ولكن حتمًا كان لنا إلى حدٍ ما شيء من لذيذ المغنم ونشوة الإنجاز على مستوى التحديات التي خُلقنا لنكون نحن أبطال عالمنا. تقارعنا الأفكار حد الإنبهار حول أسرار عبقرية عظماء الكون الذين خلدوا بأمجادهم صفحات التاريخ، وقد يجري بنا سيل الأفكار حد التسليم إلى أن بعض البشر قد اُستثنوا دون سواهم بألمعية الذهن وموفور الفطنة.
إن نجاح المخترع والباحث والعالم والمعلم والطبيب والمحامي والتاجر منوط بإستثمار قواهم النفسية، وفي استشعارهم باكرًا بمواطن مواهبهم، ومن ثم تكلفهم الجد والسعي شغفًا لا إكراهًا لتحقيق هدفهم. وكل ما صب هذا الجهد النابع عن صفاء الغاية نحو صالح الفرد والمجتمع معًا تعاظم معنى ذلك الأثر وتوطن مداده في أعماق الناس تقديرًا وإجلالًا.
إن مايورقنا أثناء سيرنا تجاه بوابة الحلم هو نقص الأفكار الخلَاقة، وبقاؤنا مترقببن لخطرات الإلهام التي قد تنير لنا دجى الطريق في رحلتنا نحو الهدف، إن ما نحتاج إليه هو الكثير من البحث حول أنفسنا، حول ما نريده، حول إمكاناتنا، وأن نختبر أحلامنا من حيث جدوى قابليتها في أن تدك أصداء محيطنا أوحتى العالم بالنفع والعطاء البديع. إن ضريبة البحث هذه قد تُكبدنا الكثيرمن الصدمات حول مستوى قدرتنا تجاه عدة امور أو جوانب كنا نجهل فيها مسبقًا إمكانات ذواتنا، قد نتفاجىء بأننا نخفق مرة بعد مرة في تحد ٍما، وقد يدهشنا أننا بارعون في أمرٍ لم يكن لنا أن نعلم قبلًا بمدى مقدرتنا على إتقانه حد الإحترافية.
إن الحياة بدون إنطلاقة نحو التحسين أو دون محاولة للحصول على الأفضل، ستكون محض روتين ممل يمنعنا من التعرف على أعماقنا الزاخرة بكنوز دفينة. جُل هؤلاء العظماء كانوا بحقيقة واحدة أنهم كما قال الدكتور علي الوردي: العظماء يميلون إلى مناورة الأفكار بالمحاولة مرة بعد مرة، فالأفكار العظيمة قد تبدو صعبة في أول الأمر ولكنها لا تكاد أن تستلين بعدها بقية الأفكار تدريجيًا حين نتناولها بين أيدينا.
لنا أن ننزوي بحقيقتنا المتفردة بعيداً عن المثالية والخوف من الوقوع في الأخطاء، وأن نجازف بخوض غمار التحديات لأن خلف ستار العظمة سلسلة من المحاولات المتجددة للنهوض بعد كل سقطة، هذا فقط إذا كنا لا نريد بأن يكون واقعنا أشبه بالحياة الميتة.