خطيئة آدم
- جنَّةُ آدم
كنتُ أقودُ سيارتي ووقودها الشوق واللهفة، كنت أرى الدنيا من حولي ترقص فرحاً لفرحي، وضجيج السيارات بالشارع سيمفونيات تُطربني، وحرارة الشمس برد وسلام تُطمئنني، وكأن ذلك الطريق سماء، وسيارتي طائر يُحلق بي نحو جنتي، وأخيراً جاءتني من انتظرتها 15عاماً، ”أماني”ابنتي هي حلمي الذي أحلمه باكياً كل ليلة، وأخيراً هبطت إلى دنيانا.
غارقٌ أنا في بحر سعادتي، منتشٍ مُحلّق، لا أعلم لحظات مرت عليّ غمرتني فيها السعادة كما الآن، حتى شككت أنني كنت سعيداً، بِتُّ أُوقِن بأنّني أنا السعادة ذاتها.
لاشيء كان يُزعجني في تلك اللحظات سوى إحساسي بالزمن فقد أصبح بطيئاً جداً، وجهتي ابنتي أريد أن أصل فقط.
وبينما أنا لازلت ضائعا مفقوداً في جنتي، وإذا بصوت مفاجيء أخرجني منها عنوةً، صوتُ ارتطامِ سيارةٍ بسيارتي.
خرجت من سيارتي كي أستوعب ماحدث، وإذا برجلٍ ترجل من سيارته واقترب مني كثيراً، إذْ لا تفصلني عنه إلا بضع سنتيمترات، أخذ يشتمني ويُهينني بشتى أنواع العبارات، ثم بصق في وجهي، لم أتمالك نفسي، فرددت له البصقة بصفعة على وجهه، تتلوها صفعات وضربات، لم أمهله لحظة كي يلتقط أنفاسه، ثم قمت بدفعه بقوة مستخدما كلّ جسدي فسقط أرضاً وارتطم رأسه بعمود إحدى الإشارات المرورية.
لم أعلم ماذا أفعل في تلك اللحظة، فالرجل قد فقد وعيه، أحد المارة الأخيار قام بالاتصال بالاسعاف، ولكن للأسف الرجل قد توفي لاحقاً.
وأنا قد تم الحُكم عليّ بالسجن لمدة 6 أعوام، وقد قضيت منها حتى الآن ثلاث أعوام.
سألتموني يارفاق مالذي جاء بك إلى السجن؟ هذه كانت حكايتي حتى صرت هنا بينكم.
ولكن لتعلموا بأن السجن الحقيقي ليس هو القضبان الحديدية وليس هذه الحجارة التي تُحيطنا.
إن السجن الحقيقي بداخلي، سجن أفكاري ومشاعري، في كل لحظة من كل يوم خلال هذه الأعوام الثلاث التي قضيتها هنا لازال الندم ينهش من روحي وكأنه جهنمي، يُعاد الدرس عليّ ألف ألف مرة.
والأشدُّ ألماً بأن ال3 أعوام التي قضيتها في السجن هي أيضا عمر ابنتي أماني، التي لم أستطع أن أكون لها أباً حقيقياً، أباً تفخر به، تراه الأمان كله، أباً يمسح دموعها، يُقوي عزيمتها، يقوّمُ أخطاءها، يَضحك لضحكتها، ويسعد لسعادتها.
أتمنى لو عادت بي تلك اللحظات فأُغيّر اختياري، فحتّى لو قام بضربي لما رددتها له، قد أسأله العفو وإن كان مخطئاً، أو أفّر منه ولو قالوا جبان، أو أطلب المساعدة من الآخرين.
غضبي، سرعة انفعالي، عدم تفكّري، سوء اختياري، حرموني من ابنتي.
تعلمتُ بأن لحظةً واحدة فقط قد تُكلّفك أجمل لحظات حياتك.
فتلك اللحظة هي الشجرة وأنا آدم وبفعلي بدت لي سوءتي وطُردت من الجنة.