أخاف أن تُمطر الدنيا ولستَ معي
هذهِ المرّة بعيدًا ربما عن الشعر وقريبًا ممّا يتصل بالخبرات أو المغامرات.
إنها «الشتوية الأولى» والمرّة الأولى التي أختبر فيها ذاتي كنتُ قلقة من أن أعبر بطفلي هذه المسافة في يومٍ ماطر.
ما يزيد عن 50 كلم يوميًا، ذهابًا ثم إيابا، هذهِ المرّة بعيدًا عن الجغرافيا أيضًا وذاكرة المكان أو ملامحه، ربما هو «براديغم» جديد أعيشه ككثيرات من بلادي.
ما يعنيني من التجربة ليس شعور الانطلاق والحريّة وأشياء أخرى، بل هو لذة مواجهة الذات، وانفكاك العقد.
يمكن أن أصف الكثير بعد عام وأكثر من قرار القيادة والسير اليومي عبر هذه الطرق المرعبة، سلوك العابرين، محطاتهم، الخارطة المكانية الجديدة، القيادة بكل ما تعنيه من وعي مختلف بالذات.
أحمل معها مسؤوليات الأمومة والخوف والقلق ومشاعر ما كنت لأعرفها لولا أن عبرت!.
أربط على قلبي وأمضي، بمزيج شاعرة من برج الجدي، أي ماء الشعر، وزيت الانضباط.
لذّة التجربة ومتعتها، ولسعة الحكمة والحذر.
اختارتني الحياة لكل ذلك، مكرهةً ببطولة التكيّف والمُضي، أتذكر كائنات منقرضة وأخرى فقدت أجنحتها، وأمضي.
لا خيار سوى انفكاك العقد أو التصالح معها.
لا طريق ثالث لامرأةٍ لا تنفك أمومتها عنها لحظة، تُدرك ضرائب الحياة الشتى، تنحني تحتها وتعبر، لا شيء معها سوى الكتابة تدُكُّ بها هذهِ الكآبة، الكتابة التي تجعلنا نُبصرُ فنعود.
تعودُ الأنا من طول غيابها، رغم سوسة السؤال ووسوسته عن أهميّة العابر والهامشي ولما نكتب، ولما نرصد كل هذا.
أتدحرج بين مجهولٍ ومعلوم، أكون المتكلم وأكون المُخاطبة، ألتبسُ بي، هل أُتابع السعي وأعبر نحو معبر آخر أم أنتظر أن يتوقف المطر؟، وتجف الطرق وتهدأ البلاد ويرتاح العباد، لم نتصالح أنا والانتظار مرة.. أراهُ جُبًا عميقًا، أملأهُ بالأغاني، فيرد لي ويردني، لذلك وأكثر لا أنتظر فأظن أني أنتصر!.