اليوم أكملت لكم دينكم
ألا تتفق معي بأن طقوس الدين الأسلامي هي من أكثر الطقوس الدينية إذا ما قُورنت بكثير من طقوس الديانات الأخرى؟ وبحساب بسيط فإن آداء الطقوس الأسلامية يستغرق وقتاً كثيراً وجهداً أكبر مقارنة بآداء طقوس الأديان الأخرى. هذا في الطقوس الواجبة فقط، وأما إذا ما أدخلنا الطقوس الإسلامية غير الواجبة في الحساب، فإن الطقوس الأسلامية ربما تكون هي الأكثر بين كل طقوس الديانات الأخرى. ومن هنا؛ فإن الدين الإسلامي ليس بحاجة لأن نضيف إليه طقوساً أخرى على الإطلاق.
لا أظن أننا سنتجادل كثيراً في أهمية الطقوس الدينية ودورها في تربية القائمين بها على الانصياع والطاعة لما تأمر به الأديان، ولكن التشديد المفرط والتركيز عليها مقدارً وكماً بتضخيمها والإضافة لها هو ما لا نستطيع الجزم بجدواه ومنفعته. ولعل ذلك الكم الهائل من الطقوس الدينية المندوبة والتشديد على الالتزام بها هو ما ينفِّر القائمين بها من المنتمين لذلك الدين - أيَّ دين - وينفِّر كل مَن يريد الدخول فيه أيضاً. فالزمن قد تغير الآن وأصبحت مشاغل ومهام الإنسان متنوعة وأكثر من ذي قبل بكثير. وبناء عليه، فإن وقته أصبح ضيقًا وموزعاً على تلك المهام والواجبات ولا يحتمل عبئاً إضافياً من الطقوس غير الواجبة أو من التقاليد التي ألصقت بذلك الدين حتى أضحت جزءًا منه.
وإذا أخذنا الدين الإسلامي على سبيل المثال، فإننا نجد أنه جاء تاماً كاملاً، فقد قال القرآن على لسان النبي محمد ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فهو لا يحتاج إلى مزيد من الطقوس أبداً. وقد أمر الله أتباع هذا الدين بأن يلتزموا بما أتاهم الرسول فقط من حيث أنه هو المبلغ الوحيد عن الله حينما قال في كتابه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ فيجب أن يتوقفوا عند هذا الحد وينصاعوا لهذا القيد. إضافة إلى ذلك، فإن عليهم أن يفعِّلوا ويطبِّقوا قاعدة ”سد الذرائع“ بشكل صارم وجديٍّ ضد الأمور العامة المستحدثة والبدع الجديدة التي لم يتحدث عنها القران والسنة بشكل تفصيلي ولا يسمحوا لها أن تنفذ إلى تقاليد وشعائر الدين الإسلامي مهما بدت حسنة وجميلة. وكذلك فإن عليهم أن يتنبهوا لما يمكن أن يطرأ على تلك الأمور من إضافات مرتديةً زيًّا دينياً لتنضم إلى صفوف الطقوس الدينية المنصوص عليها بنصوص صريحة وثابتة. ومتى ما تسرب أمر ودس نفسه ضمن تلك الشعائر والطقوس الثابتة، فإن عليهم التحذير منه ومحاربته واجتثاثه. وكما نوهت، فإن الوقاية في مثل هذه الأمور خير من العلاج و”سد الذرائع“ فيها أولى من إطلاقها وفتحها على مصراعيها. ولعل نظرة سريعة على بعض الأمور والمظاهر التي نتجت عن المشاعر الملتهبة التي حولت كثيراً من المظاهر والسلوك إلى شعائر في بعض المذاهب الإسلامية وما نتج عن ذلك آثار سلبية على المنتمين إلى تلك المذاهب وعلى الدين الإسلاميّ بشكل عام تجعلك تدرك مدى خطورة هذا الأمر.
فخذ ما يقوم به أتباع المذهب الشيعي مثلاً من المشي من مسافات طويلة إلى قبر الإمام الحسين أو مَن يُطلق عليهم ب ”المشَّاية“ الذي تحول إلى مشي شبه مقدس أو مقدسٍ فعلاً حتى أصبح حاضراً ومطبقًا بشكل عظيم ومبالَغ فيه مضاهياً بذلك كثيراً من الشعائر الإسلامية الثابتة. ففي كل سنة، ترى أن عدد الذين يأتون من دول مختلفة ليقوموا بهذا الأمر يتضاعف مما يوحي لك بأن أهميته ومكانته صارت تكبر ووتتضاعف وتتنافس مع بعض الشعائر الواجبة الثابتة. فهو وإن ادعى البعض بأنه ليس واجباً وليس مقدساً إلا أنه واقعيًا أصبح أخاً غير شقيق أو شقيق للواجب والمقدس. فالذين يقومون به ينفقون الغالي والرخيص ويبذلون مافي وسعهم حتى يمارسونه ويقومون به ويقدِّمونه على شعائر ثابتة كثيرة. وقس على ذلك الأمر بعض المظاهر الأخرى ك ”سفرة أم البنين“ التي شاعت وانتشرت وتجذَّرت حتى أن بعض رجال الدين الذين تعرضوا لها ليعيدوها إلى مكانها الحقيقي ويعطوها قيمتها الفعلية تعرضوا للنقد الحاد من المجتمع الذي لا يؤمن إلا بثقافة ومنطق الكثرة والقطيع وبالصوت الأعلى. فهم يريدون لها أن تظل في الموقع الذي منحوه هم لها وليس في موقعها الحقيقي. ومن هنا، وكما ذكرت ذلك، كان وأد بعض تلك المظاهر الناجمة عن المشاعر المنفلتة التي لا يحدها حد أولى وأرجح من تسريحها وتركها تتغلغل بين ثنايا المجتمع وثنايا الشعائر والطقوس الإسلامية الثابتة.
ومثل ذلك أيضًا ”الأربعينية“ و”السنوية“ التي تقام على الموتى حتى إنك تشعر بأن ”وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا“ قد ضاعت في خضم هذا الموج العاتي من أشباه الطقوس أو الطقوس غير الواجبة التي جعلت الإنسان أسيراً لها فنسي نصيبه من الدنيا تماماً، فهي تكلِّف الإنسان عادةً كثيراً من الجهد والمال الذي ربما يحتاجه لتدبير شؤون معيشته.
وفي الوقت الذي راعى الدين الإسلامي الظروف التي تعتري الإنسان ورخص له الكثير من الواجبات وقصّر منها كالصلاة والصيام في السفر والمرض، فإن المسلمين طبَّقوا ”لزوم ما لا يلزم“ بكل حذافيرها على أنفسهم. فقد قاموا بكثير من الأمور التي رخص الدين الإسلامي لهم تركها والتحلل منها لتصورهم بأن ذلك أزكى وأدنى وأحرز للدين والتدين!