آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

اليوم أكملت لكم دينكم

بسام المسلمي *

ألا تتفق معي بأن طقوس الدين الأسلامي هي من أكثر الطقوس الدينية إذا ما قُورنت بكثير من طقوس الديانات الأخرى؟ وبحساب بسيط فإن آداء الطقوس الأسلامية يستغرق وقتاً كثيراً وجهداً أكبر مقارنة بآداء طقوس الأديان الأخرى. هذا في الطقوس الواجبة فقط، وأما إذا ما أدخلنا الطقوس الإسلامية غير الواجبة في الحساب، فإن الطقوس الأسلامية ربما تكون هي الأكثر بين كل طقوس الديانات الأخرى. ومن هنا؛ فإن الدين الإسلامي ليس بحاجة لأن نضيف إليه طقوساً أخرى على الإطلاق.

لا أظن أننا سنتجادل كثيراً في أهمية الطقوس الدينية ودورها في تربية القائمين بها على الانصياع والطاعة لما تأمر به الأديان، ولكن التشديد المفرط والتركيز عليها مقدارً وكماً بتضخيمها والإضافة لها هو ما لا نستطيع الجزم بجدواه ومنفعته. ولعل ذلك الكم الهائل من الطقوس الدينية المندوبة والتشديد على الالتزام بها هو ما ينفِّر القائمين بها من المنتمين لذلك الدين - أيَّ دين - وينفِّر كل مَن يريد الدخول فيه أيضاً. فالزمن قد تغير الآن وأصبحت مشاغل ومهام الإنسان متنوعة وأكثر من ذي قبل بكثير. وبناء عليه، فإن وقته أصبح ضيقًا وموزعاً على تلك المهام والواجبات ولا يحتمل عبئاً إضافياً من الطقوس غير الواجبة أو من التقاليد التي ألصقت بذلك الدين حتى أضحت جزءًا منه.

وإذا أخذنا الدين الإسلامي على سبيل المثال، فإننا نجد أنه جاء تاماً كاملاً، فقد قال القرآن على لسان النبي محمد ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فهو لا يحتاج إلى مزيد من الطقوس أبداً. وقد أمر الله أتباع هذا الدين بأن يلتزموا بما أتاهم الرسول فقط من حيث أنه هو المبلغ الوحيد عن الله حينما قال في كتابه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا فيجب أن يتوقفوا عند هذا الحد وينصاعوا لهذا القيد. إضافة إلى ذلك، فإن عليهم أن يفعِّلوا ويطبِّقوا قاعدة ”سد الذرائع“ بشكل صارم وجديٍّ ضد الأمور العامة المستحدثة والبدع الجديدة التي لم يتحدث عنها القران والسنة بشكل تفصيلي ولا يسمحوا لها أن تنفذ إلى تقاليد وشعائر الدين الإسلامي مهما بدت حسنة وجميلة. وكذلك فإن عليهم أن يتنبهوا لما يمكن أن يطرأ على تلك الأمور من إضافات مرتديةً زيًّا دينياً لتنضم إلى صفوف الطقوس الدينية المنصوص عليها بنصوص صريحة وثابتة. ومتى ما تسرب أمر ودس نفسه ضمن تلك الشعائر والطقوس الثابتة، فإن عليهم التحذير منه ومحاربته واجتثاثه. وكما نوهت، فإن الوقاية في مثل هذه الأمور خير من العلاج و”سد الذرائع“ فيها أولى من إطلاقها وفتحها على مصراعيها. ولعل نظرة سريعة على بعض الأمور والمظاهر التي نتجت عن المشاعر الملتهبة التي حولت كثيراً من المظاهر والسلوك إلى شعائر في بعض المذاهب الإسلامية وما نتج عن ذلك آثار سلبية على المنتمين إلى تلك المذاهب وعلى الدين الإسلاميّ بشكل عام تجعلك تدرك مدى خطورة هذا الأمر.

فخذ ما يقوم به أتباع المذهب الشيعي مثلاً من المشي من مسافات طويلة إلى قبر الإمام الحسين أو مَن يُطلق عليهم ب ”المشَّاية“ الذي تحول إلى مشي شبه مقدس أو مقدسٍ فعلاً حتى أصبح حاضراً ومطبقًا بشكل عظيم ومبالَغ فيه مضاهياً بذلك كثيراً من الشعائر الإسلامية الثابتة. ففي كل سنة، ترى أن عدد الذين يأتون من دول مختلفة ليقوموا بهذا الأمر يتضاعف مما يوحي لك بأن أهميته ومكانته صارت تكبر ووتتضاعف وتتنافس مع بعض الشعائر الواجبة الثابتة. فهو وإن ادعى البعض بأنه ليس واجباً وليس مقدساً إلا أنه واقعيًا أصبح أخاً غير شقيق أو شقيق للواجب والمقدس. فالذين يقومون به ينفقون الغالي والرخيص ويبذلون مافي وسعهم حتى يمارسونه ويقومون به ويقدِّمونه على شعائر ثابتة كثيرة. وقس على ذلك الأمر بعض المظاهر الأخرى ك ”سفرة أم البنين“ التي شاعت وانتشرت وتجذَّرت حتى أن بعض رجال الدين الذين تعرضوا لها ليعيدوها إلى مكانها الحقيقي ويعطوها قيمتها الفعلية تعرضوا للنقد الحاد من المجتمع الذي لا يؤمن إلا بثقافة ومنطق الكثرة والقطيع وبالصوت الأعلى. فهم يريدون لها أن تظل في الموقع الذي منحوه هم لها وليس في موقعها الحقيقي. ومن هنا، وكما ذكرت ذلك، كان وأد بعض تلك المظاهر الناجمة عن المشاعر المنفلتة التي لا يحدها حد أولى وأرجح من تسريحها وتركها تتغلغل بين ثنايا المجتمع وثنايا الشعائر والطقوس الإسلامية الثابتة.

ومثل ذلك أيضًا ”الأربعينية“ و”السنوية“ التي تقام على الموتى حتى إنك تشعر بأن ”وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا“ قد ضاعت في خضم هذا الموج العاتي من أشباه الطقوس أو الطقوس غير الواجبة التي جعلت الإنسان أسيراً لها فنسي نصيبه من الدنيا تماماً، فهي تكلِّف الإنسان عادةً كثيراً من الجهد والمال الذي ربما يحتاجه لتدبير شؤون معيشته.

وفي الوقت الذي راعى الدين الإسلامي الظروف التي تعتري الإنسان ورخص له الكثير من الواجبات وقصّر منها كالصلاة والصيام في السفر والمرض، فإن المسلمين طبَّقوا ”لزوم ما لا يلزم“ بكل حذافيرها على أنفسهم. فقد قاموا بكثير من الأمور التي رخص الدين الإسلامي لهم تركها والتحلل منها لتصورهم بأن ذلك أزكى وأدنى وأحرز للدين والتدين!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 5
1
عبدالمنعم صالح
[ الأحساء ]: 23 / 11 / 2019م - 9:51 ص
عن محمّد بن جعفرٍ الرّزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن بشيرٍ، عن أبي سعيدٍ القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في غرفةٍ له فسمعته يقول: من أتى قبر الحسين ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ وبكلّ قدمٍ يرفعها ويضعها عتق رقبةٍ من ولد إسماعيل»

لنتفق بأن المشي لزيارة الامام الحسين ع امر مستحب كما ذكرت في مقالتك.
و انت قلت أمراً جميلا بأنها تكاد تنافس بعض المستحبات، فمن هنا يعلم الجميع بأنه امر مستحب و لا يُقدم على واجب الا باجتهاد فردي .
شعيرة المشي لزيارة الامام الحسين إنما هي تعبير عن المشاعر لما اصاب اهل البيت في ذلك اليوم من ظلم و مشقة شبيه باللطم و لكنه مدعوم بأدلة على استحبابه بلا خفية .
أما عم تفضيل الناس للمشي عن الركوب بالسيارات و هو امر مستحب فهذا ايضا مقرون بمدى وله و حسرة الزائر للزيارة فيقوم مشاعره بالمشي حافيا للزيارة بشدة ولهه.
كما يحصل في تشييع الجنازة فإنه امر مستحب التشييع مشيا ، هل رأيت من يشيع بغير ذلك و هو امر مستحب
و لكن هول المصيبة على أصحابها يجعلهم يمشون على اقدامهم للتشييع.
فإنما هي من باب تعظيم الشعيرة و احترام الميت مثلا في الجنازة بإكرامه بالمستحب
و كما يحدث في الحج و العمرة من المشي للجمرات و هو امر مستحب تعظيما للشعيرة ايضا.
و على عكس ما ذكرت بأن الفرد مشغول بأمور كثيرة فمن أين سيأتي بالوقت لمثل هذه الشعائر؟
اضاعة الوقت تكون على الامور التي لافائدة منها و غير معتد بها
اما عمل الشعائر فهو لأمر معتد به.
فالمشي لزيارة الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين أصبح اليوم ذا مصلحة عامّة، وتلك المصلحة العامّة هي عبارة عن الصرخة في وجوه الظالمين، ورفع راية الإسلام، كما أنّ في المشي جنبة تبليغية عظيمة؛ حيث إنّ كلّ مَن يرى هذا الحدث وتلك الجموع الغفيرة التي تسير نحو الحسين (عليه السلام) يُثار لديه تساؤل: مَن هو الحسين الذي جعل جميع هذه القلوب تهوي إليه؟ ممّا يكون باعثاً على البحث والتحقيق، وكلُّ هذه الأُمور فيها مصلحة عامّة وهي مقدَّمة بلا ريب على المصالح الشخصية.
2
ابوعلي
[ الدمام ]: 23 / 11 / 2019م - 10:03 ص
لا إفراط ولا تفريط....اوقات كثيره تضيع في النت والرحلات....الخ فلماذا الشعائر فإذا كانت ليست حرام وبدعه فلما احاربها وكل انسان حر وعنده عقل يمشي على اللي يناسب قناعاته
3
Jaz
[ Saudi Arabia ]: 23 / 11 / 2019م - 10:30 ص
كلام جميل، جزئيا اتفق معك فيه ولكن لابد ان نوضح كذلك النقطة التالية:
*وإذا أخذنا الدين الإسلامي على سبيل المثال، فإننا نجد أنه جاء تاماً كاملاً، فقد قال القرآن على لسان النبي محمد ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فهو لا يحتاج إلى مزيد من الطقوس أبداً.)*

انه هناك فرق بين الطقوس واكمال الدين.
الطقوس هي ممارسة بين حي واخر لا يلتزم فيها الجميع -ان صح تعبيري-
الدين واجب على التزام الجميع فيه.
فاكمال الدين لا يتعلق بطقوس.

وما يخص *(ك ”سفرة أم البنين“ التي شاعت وانتشرت وتجذَّرت حتى أن بعض رجال الدين الذين تعرضوا لها ليعيدوها إلى مكانها الحقيقي)*
قد ان بعض المشايخ واجهوا هذا التحدي من حيث انهم لم يبينوا ما هو واجب في السفرة وواضح.

مثلا الان من خلال قرأتي لمقالك صار لدي لبس ولاي قاريء اخر فما يخص الطقوس والدين.
لابد يكون توضيح صريح من الكاتب والمحاضر لاطلاع المستمع والقاريء وغيرهم ممن يطلعوا ع المقالات او حضور المجالس على فهم ما هو الفرق والواجب


ارجو تقبل نقدي، فانا واثق لم تضع مقالك هنا الا انه قابل للاخذ والعطى، 🤗🌹 _مجرد نقد_
4
سلام المبارك
24 / 11 / 2019م - 11:59 م
مقال في الصميم لقد أثقلتنا الدين بكثر الطقوس الدينية.
أما قضية روايات المشي لزيارة الحسين عليه السلام فهي جاءت على نحو المجاز ولا نأخذها حرفيا حالها كحال من مشى في خدمة أخيه فله من الأجر المضاعف فليس المقصود المشي على الرجلين لكنه المشي المجازي وكثرة هذه الطقوس كلها جاءت خوفا او إثبات الهوية الدينية
5
بسام المسلمي
[ الأحساء ]: 18 / 3 / 2020م - 5:17 م
أشكرك عزيزي أستاذ سلام المبارك على تعليقك الراقي والعقلاني الذي ولا شك أضاف إلى مقالي بعض ما ينقصه.
تحياتي ;