سُلْطة المزاج
قد يحدث أن تسير بك ذاكرتك نحو مواقف مفصلية اعترت سيرك الحياتي، وتمنيت لو أنك اتخذت وقتها موقفًا مغايرًا صيَر منك شخصًا أفضل، وربما كاد أن يحقق لك مكاسب لامعة على الصعيد الذي يستدعيه زمان ومكان الحدث. حقيقة نحن لا نملك من أنفسنا إلا إرادتنا وإن بدا لنا على حين غفلة أننا نملك الكثيرمما كان تحت إمرتها. نحن بإرادتنا التي نطوعها بعزيمة صادقة للتعامل مع كل موقف بأفضل شكل ممكن، ونهيؤها لتقبل ما تمر به بتبصُر، سنملك بتلك الإرادة مفاتح التصالح والإستكنان.
تجري عادة المتأمل أن يرشح من مواقف حياته ما كان أسوأها آملًا لو قدَم حينها القدر السليم من ردة الفعل، وآملًا لو أنه تدارك الحدث بخطوة نحو الوراء يتفكر فيها بالإستجابة المناسبة التي يتطلبها الموقف أو إن كان الحدث لا يستدعي أية استجابة. كثيرًا ما ترتكز ردات أفعالنا بظاهرها وحجمها على مستوى مزاجنا النفسي. ومن الإستحالة أن نجد المزاج الشخصي لأي فرد مستقرًا ثابتًا فهو معرض لتغيرات تقتضيها ضرورة العيش ورحلة سيره نحو هدفه؛ لذا عمد علماء الفلاسفة إلى تقسيم البشر وفقاً لإنفعالاتهم وسماتهم الشخصية البارزة إلى أنماط مزاجية معينة تحتكم إلى تكوينهم الخَلقي ومحيطهم البيئي لنجد من بين بني البشر ذو المزاج السوداوي، وآخر ذو مزاج بلغمي، ومن بين هؤلاء صاحب المزاج الصفراوي وصاحب. «Esemck، 1973 P. 8» المزاج الدموي
يقول الأخصائي النفسي ريموند حمدان: الطبيعي لدى كل الناس ان مزاجهم متغير من وقت لآخر ولا يوجد مزاج ثابت للإنسان سواء كان سعيدًا أو حزينًا، وحتى عند التعبيرعن الحالة المزاجية في الأوقات المختلفة، فنحن نعبرعنها بمنحنى يجمع بين الصعود والهبوط ولكنه صعود ناعم وهبوط هادىء وليس حادًا أو مفاجئًا أو سريعًا. فالتغير في مزاج الفرد الذي لا يتبعه أي تعطيل لوظائفه العلمية والعملية هو تغير طبيعي ينبغي التكيف معه، إلا أنه على صاحبه أن يتعامل مع الحدث المسبب لهذا التغير على أنه حدث عارض ومؤقت ومنفصل تمامًا عن كل ما حوله من أشخاص وأحوال.
تؤثر التغيرات الفسيولوجية التي تعتري الفرد والتي تعد عوارض مؤقتة على طبيعة مزاجه، وكذلك تؤثر الضغوطات التي تتسببها بعض الصدمات القاسية في الحياة على استقرار مزاج متلقيها مما يستدعي بعضها تدخلًا طبيًا لدرأ الأذى عن صاحبها حيال ما قد يسببه تفاقم هذا الوضع من أخطارتهدد صاحبها وتهدد من هم حوله. من الجدير أن يدرك الفرد مدى فاعلية السُلطة التي يدفع بها المزاج صاحبه نحو الخسران؛ لذلك على لإنسان الحقيقي الذي يسعى لتكامل خبرته والعازم على معرفة سر استقراره النفسي، أن يتقبل في بادىء الأمر الإخفاقات التي قد يخلفها عدم استقراره النفسي في ميدان التعامل حتى يتضح له مدى أهمية ضبط هذا الإستقرار ويدرك مدى العواقب التي تقتضيها المبالغة في ردات الأفعال، وتفسير الأحوال بناء على توقعات لا تمت للحقيقة بصلة.