«أنفُ العَنْزَةِ» سَبَبًا
لا يمكن لعشاق لعبة المصارعة الحرّة في التلفزيون السعودي أن يغيب عن مساحة الإمتاع لديهم، التي صارت لازمةَ ترفيهٍ مرئيٍ، أو إيقاعًا أخذت الذائقة الشعبية نغمته الصوتية، لتتوزع العائلة الواحدة في تشجيع هذا النجم أو ذاك عبر ألحان معجم لغوي شامل وانسيابٍ صوتيٍّ رخيم ومبدع، بل غير مسبوق، عبر نجومية المعلّق السعودي الراحل إبراهيم الراشد الذي كان يمسرح حلبة المصارعة ويقاوم هجمات «أنف العنزة» التي قد تأتي بها تحولات انتقالات فصل الخريف ودخول الشتاء.
«أنف العنزة» الذي أثقل كاهلَ إبداع «الراشد» - رحمه الله - هو مرض الإنفلونزا، المرض الفيروسي الذي لديه من قدرة الانتقال وسطوة العدوى ما يضعه ضمن الأمراض الموسمية الأكثر انتشارًا على مستوى العالم.
وضمن سياق لغوي يحتمل أن أصل اسم الإنفلونزا جاء كاشتقاق من مفردتي «أنف العنزة» التي في أصلها العربي، قد أشار البعض إلى سبب انتشار حالة جريان الأنف في العنزة، كان سببًا لوضع بعض العرب هذا الاسم، مع أنّ هذا الرأي قد لا يصمد أمام رأي آخر يرجح أن كلمة إنفلونزا جاءت ضمن اشتقاقات اللغة الإيطالية، وتحديدًا من كلمة «influence»، التي تعني «تأثير»، لانسجام المعنى مع تأثيرات مرض الإنفلونزا.
ومع تحولات الفترة الفاصلة بين الخريف ودخول الصيف، يبدأ برنامج الحملات الإرشادية التي تقوم بها وزارة الصحة السعودية ومجموعة من المؤسسات ذات الاهتمام بالصحة الوقائية، في توجيه بضرورة أخذ لقاحات الإنفلونزا الموسمية.
وإذا كان في بعض الأخبار محتوى طريف، عندما نشرت بعض المواقع الإلكترونية عما تمّ وصفه بأن وزارة الصحة تتوعد موظفيها الرافضين لأخذ لقاح الإنفلونزا الموسمية، فإنّ هذا يعني بأهمية اللغة الإيجابية في كل رسالة توجيه أو خلال كل برنامج يسعى لتعزيز الواقع العملي للثقافة الوقائية اجتماعيًا.
إنّ تأكيد أهمية أخذ لقاح الأنفلونزا الموسمية، يأتي بعد تفاقم عدد الحالات المرضية التي يسببها هذا المرض بفيروساته المختلفة ودرجات حدّته التي يعاني منها الجميع.
وفي الحملات التي تتوسع وزارة الصحة السعودية في تقديمها للقاحات المانعة بإذن الله لهذا المرض، جدوى اجتماعية ووطنية تحافظ على إيقاع السلامة الصحية كإطار يرسخ المفاهيم الصحية في حياتنا.
ولأنّ في المرض معنى مضمونه الصراع، كما يقول في بعض إشاراته الأخيرة، زميلنا الكاتب والشاعر أحمد الملّا، ليكون المواجه للمرض في موقع الفارس وليس المستسلم، تبقى الكلمة الحاسمة لنا في الاستفادة من برنامج الوقاية من الإنفلونزا الموسمية، لنكون من المنتصرين على «أنف العنزة» التي قال عنها يومًا أعظم رموز الحركة الشعرية العربية، المتنبي: وزائرتي كأنّ بها حياءً، فلا تأتيني إلا في الظلامٍ/ بذَلْتُ لها المَطارِفَ والحَشَايا، فَعَافَتْها وبَاتَتْ في عِظامي، وفي أحاديث أبي مُحَسّد وصف ما يوجع عظام حتى لاعبي بناء الأجسام ذوي العضلات المفتولة، إنْ تَمَكّن منهم فيروس الموسميَة.