”بقايا حنين“
صحوت هذا اليوم متأخرًا بعض الشيء عنما اعتدته فلا داعي للنهوض مبكرًا جملة أرددها دائمًا على مسامع نفسي عندما تحدثني الأمارة بالسوء بالنهوض مبكرًا ونحن في إجازة. مترنحًا أصل للمغسلة فأغسل وجهي وأمرر رأسي تحت صنبور المياه لأشعر بعدها بالإفاقة والانتعاش، داعبت بعدها نسمات أكتوبر الناعمة خصلات شعري، فالجو بدأ بالاعتدال بعد صيف ملتهب.
الحقيقة لم تحرك نسمات الهواء العليلة خصلات شعري فحسب إنما تحركت معها فكرة أخذت تروق لي شيئًا فشيئًا وأنا أغمس ”الصمول“ في الحليب متناولًا إفطاري.
راقت لي الفكرة فتوجهت عصرًا لأحد مكاتب السفريات المنتشرة في مدينتي القطيف وحجزت تذكرت ذهاب وعودة إلى سوريا.
جاء اليوم الموعود وصعدت الحافلة فانطلقت بنا من القطيف مرورًا بحفر الباطن وتوقفنا للعشاء في عرعر ومنها انطلقنا إلى الحديثة المنفذ الحدودي السعودي الأردني، أنهينا مايلزم وسارت بنا الحافلة إلى جابر المنفذ الأردني السوري دخولًا للأراضي السورية.
التفت من النافذة فرأيت لوحةً كتب عليها ”درعا“ فحدثت نفسي بأنه لابد من الرجوع إليها لزيارة حماماتها الكبريتية، وبعدها استسلمت لنوم عميق ولم يوقظني سوى صوت السائق الذي حمد الله لسلامتنا.
نزلت من الحافلة فشدني بل أسرني لمعان تلك القبة الذهبية لمقام السيدة زينب ، لملمت حقائبي من الكراج ومكثت في حي السيدة يومين حرصت فيها على صلاة الفجر في مقامها ومن ثم الإفطار بالحليب الطازج بعد الخروج فالعودة سالكًا شارع التين.
بعد يومين ركبت حافلة ”سيرفيس“ أقلتني من السيدة إلى الشام وأمضيت صبح ذلك اليوم كله سائحًا في سوق الحميدية متنقلَا بين بوابات دمشق تارة ومتبضعًا تارة أخرى، وبعد الظهر توجهت لأسترخي قليلًا فلم أجد مكانًا أفضل من حمام نور الدين، دخلت الحمام فشدتني زخارفه الأثرية الموغلة في القدم والحضارة، أخذت زاوية منه وبدأت أعصابي بالاسترخاء جراء انبعاث البخار الكثيف فأصبحت أغالب النعاس وبينما أنا كذلك ما بين الرقاد والإفاقة سمعت صوتًا مدويًا ارتعشت منه فرائصي فأفقت... أفقت من حنيني.. حنين نفسي التي حنت فأنت وأنا أتابع شاشة التلفاز وأرى عدوان ”العصملي“ على الشمال السوري، أدركت أني لم أبرح مكاني وماكان ذلك سوى بقايا حنين.