قراءة في كتاب ”شروط النهضة“ للمفكر مالك بن نبي
كتاب مالك بن نبي ”شروط النهضة“ من الكتب القيمة التي تتطرق لمشكلات الحضارة ويحتوي الكتاب على عناصر مهمة تدخل في إطار البحث عن مشكلات الحضارة.
في هذا الكتاب يقول ابن نبي إن مشكلة كل شعب هو في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته مالم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، ومالم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها.
وما الحضارات المعاصرة والحضارات الضاربة في ظلام الماضي والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيها ويالها سلسلة من النور تتمثل فيها جهود الأجيال المتعاقبة في خطواتها المتصلة في سبيل الرقي والتقدم. هكذا تلعب الشعوب دورها وكل واحد منها يبعث ليكوّن حلقته في سلسلة الحضارات، حينما تدّق ساعة البعث معلنة قيام حضارة جديدة ومؤذنة بزوال أخرى.
ففي الماضي كانت البطولات تتمثل في جرأة فرد لا في ثورة شعب وفي قوة رجل لا في تكاثف مجتمع، فلم تكن حوادثها تاريخا بل كانت قصصا ممتعة، ولم تكن صيحاتها صيحات شعب بأكمله وإنما كانت مناجاة ضمير لصاحبه لا يصل صداه إلى الضمائر الأخرى فيوقظها من نومها العميق.
كانت حركة الإصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب هذه الحركات إلى النفوس وأدخلها في القلوب، إذ كان أساس مناهجهم الأكمل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ «الرعد: 11». فأصبحت هذه الآية شعار كل من ينخرط في سلك الإصلاح في مدرسة بن باديس وكانت أساسا لكل تفكير فظهرت آثارها في كل خطوة وفي كل مقال حتى أُشرب الشعب في قلبه نزعة التغيير فأصبحت أحاديثه تتخذها شرعة ومنهاجا، فهذا يقول لا بد من تبليغ الإسلام إلى المسلمين وذاك يعظ فلنترك البدع الشنيعة البالية التي لطّخت الدين ولنترك هذه الأوثان وذلك يلح يجب أن نعمل يجب أن نتعلم يجب أن نجدد صلتنا بالسلف الصالح ونحيي شعائر المجتمع الإسلامي الأول.
وإنه لتفكير سديد ذلك الذي يرى أن تكوين الحضارة كظاهرة اجتماعية إنما يكون في الظروف والشروط نفسها التي ولدت فيها الحضارة الأولى، كان هذا صادرا عن عقيدة قوية ولسان يستمد من سحر القرآن تأثيره ليذكر الناس بحضارة الإسلام في عصوره الزاهرة.
وإن الحكومة مهما كانت ماهي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه، فإذا كان الوسط نظيفا حرا فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه وإذا كان الوسط متسما بالقابلية للاستعمار فلا بد من أن تكون حكومته استعمارية.
ويرى ابن نبي أن الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولا من أفعالهم بل هم من النفس ذاتها التي تقبل ذلّ الاستعمار والتي تمكن لها في أرضها. كما أنه لا ينجو شعب من الاستعمار وأجناده إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذّل مستعمر وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار.
ويقول ابن نبي بأن الشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي وإنها لشرعة السماء غيّر نفسك تغيّر التاريخ.
ويرى أنه بدلا من أن تكون البلاد ورشة للعمل المثمر والقيام بالواجبات الباعثة إلى الحياة فإنها أصبحت منذ سنة 1936م سوقا للانتخابات وصارت كل منضدة في المقاهي منبرا تلقى منها الخطب الانتخابية فلكم شربنا في تلك الأيام الشاي وكم سمعنا من الأسطوانات وكم رددنا عبارة «إننا نطالب بحقوقنا» تلك الحقوق الخلاّبة المغرية التي يستهلها الناس فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب طريق الواجبات.
وهكذا تحوّل الشعب إلى جماعة من المستمعين يصفقون لكل خطيب أو قطيع انتخابي يقاد إلى صناديق الاقتراع أو قافلة عمياء زاغت عن الطريق فذهبت حيث قادتها الصُّدف في تيار المرشحين.
كما يقول ابن نبي نحن لازلنا نسير ورؤوسنا في الأرض وأرجلنا في الهواء وهذا القلب للأوضاع هو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا.
ليس من الواجب لكي ننشئ حضارة أن نشتري كل منتجات الأخرى، وهو يقول هنا أنه عندما نشتري منتجاتها فإنها تمنحنا هيكلها وجسدها لا روحها.
ويعطينا ابن نبي معادلة للناتج الحضاري كما يلي:
ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت
حضارة = إنسان + تراب + وقت
ويقول بأن مشكلة الحضارة تحلل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت، فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها.
كما يقول أن الحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية.