آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

كفى.. حرروا المنبر من «الأنا»!

الدكتور عادل حسن الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى.

في الآونة الأخيرة، ظهرت بعض الممارسات غير المألوفة من بعض خطباء المساجد والحسينيات، ألا وهي ظاهرة استخدام منبر رسول الله ﷺ ومنبر الإمام الحسين لأغراض شخصية ليس لها علاقة بالوعظ والإرشاد، ولا تمت إلى دعوة الناس إلى التقوى في شيء.

فيا ترى ما هي الأسباب والدواعي التي جعلت هؤلاء الخطباء ينحرفون عن جادة الطريق، ويغيرون من دور المنبر في عنوانه العام «المحمدي» وعنوانه الخاص «الحسيني»؟

في هذه الورقة، سوف أستعرض دور المنبر وأهدافه، والشروط التي يجب توفرها في شخصية الخطيب. ومن ثم سوف أتحدث عن بعض الممارسات الطارئة من قبل بعض الخطباء وما هي الأسباب والدواعي التي أدت إلى ظهورها، وسوف نرى ما إذا كانت هذه الممارسات منسجمة مع دور المنبر وأهدافه التي أرادها رسول الله ﷺ.

كما هو معروف أن أول منبر في الإسلام أسس من قبل رسول الله ﷺ. وأول خطيب حسيني هو الإمام علي بن الحسين، الإمام زين العابدين حيث ألقى خطبة مؤثرة في مجلس يزيد بن معاوية بعد إلحاح الناس على يزيد أن يسمح له. فكانت هذه الخطبة تأسيس للمنبر الحسيني والمجالس الحسينية.

دور المنبر:

دور المنبر ينبثق من دور النبي ﷺ في تبليغ الرسالة كما أراده الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ. ومن ظاهر الآية الكريمة يتبين لنا أن دور المنبر يرتكز على الدعوة إلى الله وتزكية النفس من كل ما يعكر نقاءها، وإرشاد الناس إلى تعاليم الإسلام من خلال تعليمهم معارف القرآن الكريم والحكمة علما وعملا. ومن خلال تعليم الكتاب والحكمة يُفتح أبواب كثيرة من العلوم المختلفة.

أهداف المنبر:

من أهداف المنبر نشر تعاليم الدين والحث على تطبيقها في حياة الناس بشكل فعلي، والحفاظ على بيضة الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وزرع ثقافة الإصلاح في المجتمع.

الشروط التي يجب توفرها في الخطيب:

حتى يقوم الخطيب بدور رسول الله ﷺ التوعوي في المجتمع لابد أن تتوفر فيه ثلاثة شروط على أقل تقدير وهي: العلم والتقوى والموهبة الخطابية. فالعلم شرط أساسي لابدَّ منه للخطيب، حتى يكون قادرًا على العطاء، وقادرًا على تعليم وتثقيف وتفقيه الناس بدينهم في شتى أحكام الشريعة ومسائلها. ولهذا يجب أن يكون الخطيب عالمًا فاضلا من الناحية العلمية بحيث يكون قد أنهى مرحلتي المقدمات والسطوح في الحوزة العلمية على أقل تقدير، والتي قد تبلغ مدتها 12 سنة.

والتقوى شرط أساسي لابد من توفره في الخطيب لضمان عدم انحرافه وانحراف أهداف المنبر. فتكون أقواله وأفعاله منسجمة مع تعاليم الدين الحنيف لا تشوبها شائبة. وبهذه الملكة يكون مؤتمنا على دين الله لإيصاله إلى الناس نقيًا صافيًا كما أراده الله سيحانه وتعالى.

والشرط الثالث هو الموهبة الخطابية، لما لها من الأثر الكبير في جذب الناس إلى المنبر. والخطيب االموهوب لديه قدرات وأساليب متنوعة يستخدمها للتأثير على مستمعيه. ولديه أساليب خطابية يستخدمها لتبسيط المعلومات وإيصال المعرفة إلى مرتادي منبره.

الممارسات غير المألوفة:

في الآونة الأخيرة، ظهرت بعض الممارسات التي لم نألفها لدى الخطباء السابقين، حيث قام بعض خطباء المساجد والحسينيات باستخدام المنبر لأغراض شخصية ليس لها علاقة بالوعظ والإرشاد، ولا تمت إلى دعوة الناس إلى التقوى وتزكية النفس في شيء.

تجد خطيبا يعيب على خطباء آخرين ويستهزئ بطرحهم الفكري ومستواهم وتحصيلهم العلمي، وفي الوقت نفسه يشيد بعلميته وتفوقه على غيره، ويذكر كثيرًا من صولاته وجولاته في حلبات دور العلم وإنجازاته على مستوى التحصيل العلمي وما لديه من شهادات وإجازات ووكالات شرعية، وغير ذلك من الأمور التي تؤدي إلى تغليب مصطلح «الأنا» في خطابه. وهذا يؤدي إلى إشغال الناس بما ليس لهم فيه ناقة ولا جمل. بل ربما يزيد من تشتت وترشذم المجتمع.

وتجد خطيبًا آخر همه الأوحد في خطبته هو تشويه سمعة الآخرين وتسقيطهم لأنهم فقط خالفوه في الرأي، وفي خطبته يقوم بذكر إيحاءات عن الأشخاص المعنيين من غير ذكر أسمائهم. وهذا بدوره يوغر صدور الناس الذين فهموا تلك الإيحاءات. ومن لم يفهم يصبح تفكيره مشغولا أثناء الخطبة وفي صلاته، وربما في يومه كله.

وتجد خطيبا ثالثا، شغله الشاغل أن يرد على زيد وعمرو، ويناقش فلانًا وعلانًا، في موضوعات خلافية، وقد تكون هذه الموضوعات تخصصية ليس للمجتمع أي فائدة تذكر في طرحها أو مناقشتها. لذلك تجد طرحها على المنبر هو من باب فرد العضلات وإظهار التفوق على الخصم بالرد عليه. وربما طرحها على المنبر يثير الرأي العام ويسبب بلبلة في المجتمع. حري بهذا النوع من الخطباء أن يبحث الموضوعات الخلافية مع أصحابها مباشرة أو في الحوزة العلمية.

وتجد خطيبا آخر ينادي بالاصطفاف خلف هذا العالم وترك ذلك العالم، وكأنه في حلبة مصارعة أو في ملعب كرة قدم، يستجدي الجماهير لتشجيعه.

الأسباب والدوافع:

من أسباب ودوافع هذا السلوك «أي الأنا» - في نظري - هو التطلع إلى الشهرة وإبراز الذات في المجتمع. ومن أسبابها أيضا ظاهرة: ”خالف تعرف“ لخلق زوبعة في المجتمع ليكون مادة الحديث فيما بينهم. فتارة يكون هذا السلوك عبثيا، وتارة يكون موجها عن قصد وهدف مسبقين.

ومن أكثر العوامل التي أثرت سلبًا على أداء المنبر وأدت إلى ابتعاد الناس عن المنبر هو أن بعض خطباء المنبر في العصر الحالي قاموا بتوظيف المنبر لأغراضهم الشخصية وتسويق أنفسهم في المجتمع بأساليب فجة حيث تستشعر فيها داء الرياء وعدم الإخلاص. فلم يعد للمنبر تلك القدسية التي كنا نشعر بها في منابر العلماء الفضلاء - الذين رحلوا عنا - الذين تربينا تحت منابرهم كالشيخ محمد الهاجري والشيخ حسين الخليفة والشيخ باقر أبو خمسين والشيخ عبد الوهاب الغريري والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ محمد علي العمري والشيخ عمران الفرج والسيد ناصر السلمان والسيد طاهر السلمان والشيخ هلال المؤمن والشيخ حسن أبو خمسين وغيرهم من الأعلام.

حيث لا تجد مصطلح «الأنا» في خطابهم المنبري، بل تميز منبرهم بالتوجيه والإرشاد والتعليم والتثقيف ودعوة الناس إلى التقوى وتزكية النفس والألفة والمحبة.

شبهة «الأنا»:

هناك من تعجبه هذه الصفة أن تكون فيمن يحبه أو يتبعه، فيرى تلك الممارسات التي ذكرت آنفا لا ضير فيها ولا تؤثر على نزاهة وورع شيخه. وهذه الفئة من الناس يرجعون ذلك إلى أن الإمام زين العابدين قدوة لهؤلاء الخطباء، فقد خطب خطبة في مجلس يزيد بن معاوية، وقد أكثر من قول: أنا ابن....، وما زال يقول أنا أنا حتى قطع يزيد خطبته بالأذان. ويستشهدون أيضا على شرعية تلك الممارسات بقصة نبي الله يوسف وذلك ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.

وغاب عن هؤلاء أن الإمام علي بن الحسين معصوم، لا ينطق عن الهوى، وأن حركاته وسكناته منسجمة مع أوامر الله سبحانه وتعالى، فلا تشوبها رياء أو سمعة أو «أنا» طرفة عين أبدا. إنما يريد الصلاح والإصلاح في أمة جده محمد ﷺ.

وكذلك عندما طلب نبي الله يوسف من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض، كان ذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى. أضف إلى ذلك أنه معصوم لا ينطق عن الهوى. وما عدا الأنبياء والأئمة، فالناس غير معصومين مهما بلغوا من العلم والزهد والتقوى والورع. فمال حال من ترى في سلوكه خلاف ذلك.

مسك الختام:

سألت الأستاذ الشيخ عبد الهادي الفضلي ذات مرة: في السابق عندما يقول الخطيب موعظة ما في جمع من الناس، تجد لموعظته أثرًا في أفراد المجتمع. ولكن في هذه الأيام، موعظة بعض الخطباء لا تجد لها ذلك الأثر، بل في كثير من الأحيان الموعظة لا تتعدى شفتي الخطيب، فلماذا يا ترى؟ فأجاب رضوان الله تعالى عليه: السبب الرئيس في عدم تأثير الموعظة في أفراد المجتمع هو غياب الورع.

كلمة أخيرة لابد منها وهي أن المنبر وسيلة بناء وليس وسيلة هدم. وخلاصة القول، ينبغي على كل واحد منا عندما يستمع إلى خطيب أن يسأل نفسه، هل أن أقوال الخطيب وسلوكه ينسجم مع دور المنبر أم لا؟ قال الله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو علي
[ صفوى ]: 25 / 10 / 2019م - 10:42 ص
أحسنت وجزاك الله خير على هذا الطرح