ومازلنا ننتظر حقوق المرأة!
عام 1988م؛ عرضت قناة التلفاز المصرية مُسلسلاً لاقى استحسانًا فائقًا من جمهور المُشاهدين في ذلك الحين، ومازال يُلاقي استحسان مُشاهديه من الفئة الشابة حين تتم إعادة عرضه، أو يتمكنون من مُشاهدة حلقاته المُسجلة عبر الإنترنت.. المسلسل الذي كان اسمه ”اللقاء الثاني“، والذي تقاسم دور البطولة فيه كل من الفنانة ”بوسي“ والفنان ”محمود يس“، وأخرجته ”علية ياسين“ قدم بحلقاته المُتصلة المُنفصلة نماذج مختلفة من أشكال العلاقة بين الرجُل والمرأة في إطار الحُب والزواج، وكان بين حلقاته حلقة بعنوان ”ريبورتاج“، تحكي قصة مُهندس ناجح تزوج من صحفية تتأجج روحها طموحًا وحماسة لتحقيق نجاحات غير مسبوقة في مهنتها التي تعشقها، وبسبب هذا العشق الكبير كانت تتوقع مساحات كبيرةٍ من دعم زوجها وتفهُّمه؛ لكن نظرته التقليدية لدور المرأة في الحياة جعلته غير قادر على تحمُّل ما تبذله من وقت وجُهد في سبيل تحقيق ذاتها، وصار يشعر أن مهنتها تشاركه فيها وتتقاسمه إياها، فخيَّرها بين الانصياع لرغبته والتفرغ له بشكل كامل أو الانفصال؛ فاختارت الانفصال لأن شغفها تجاه مهنتها التي تتنفسها وتعيش لأجلها وبسببها أكبر كثيرًا من أن تستطيع انتزاعه من أعماقها وتركها.
سافر الرجل إلى ألمانيا بحثًا عن فرصة عمل، وهناك ظل أكثر من ثمانية أعوام غارقًا في تفاصيل مهنته على أمل أن يُخفف انشغاله بالدراسة والعمل من مشاعر الوحدة والغُربة في أعماقه، لكنه وجد نفسه في مُجتمعٍ يُقدر طموح المرأة، ويعتبر مُشاركة الرجُل إياها في مهام المنزل أمرًا ضروريًا، فتغيرت زاوية رؤيته للأمور، وتطورت أفكاره وفلسفته تجاه المرأة ومنظومة الأسرة، فعاد إلى مصر بعقلٍ أكثر تقدمًا وروح أكثر وعيًا ونُضجًا.
هذا المسلسل بتلك الحلقة على وجه التحديد يوثق أن تلك المُشكلة كانت تُناقش منذ ثمانينيات القرن العشرين، ومازلنا نناقشها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رغم اقترابنا من إكمال العقد الثاني بعد الألفية الميلادية الثانية! نظرة الرجُل للمرأة كزوجة وشريكة حياة مازالت ضيقة وبطيئة التقدم مقارنة بالمجتمعات التي يمكن اعتبارها أنها أكثر رُقيًا في هذا المجال، بينما يُفترض أن مجتمعاتنا قد تجاوزتها بشكلٍ شبه كامل مادامت محاولات التوعية الإبداعية والإعلامية عبر قنوات الاتصال الجماهيري كالمسلسلات والتلفاز موجودة منذ الثمانينات؛ وربما قبلها.
استوقفني أيضًا مشهد من مشاهد الحلقة تطلب فيه الزوجة من زوجها توقيع تصريحًا بسفرها كي تتمكن من حضور مؤتمر في دولةٍ مُجاورة؛ وإذا به يُعاند ويرفض ويعترض فارضًا سُلطة ذكورية غير مقبولة وغير مُبررة على انسانية زوجته، وقادني ذلك إلى اكتشاف أن رفع حظر سفر المرأة المصرية من مصر دون موافقة رسمية من الزوج لم يتم قبل عام 2000م، أي منذ 19 عامًا فقط! ثم اكتشفتُ أن رفع حظر سفر المرأة الكويتية دون موافقة رسمية من الزوج لم يتم قبل عام 2006م! ويبدو أن المرأة العراقية مازالت حتى اليوم تُعاني مع هذا الحظر سواءً كانت متزوجة أم غير متزوجة وِفق بعض المقالات التي قرأتها، ولا يمكنني التأكد الوثيق من صحة ما جاء فيها.. تلك الحقائق تُعتبر مُروعة حقًا إذا نظرنا للأمر من زاوية ”التمييز العنصري“ غير المُبرر ضد المرأة، خصوصًا في عصرنا الحاضر الذي نرى فيه آنسات وسيدات يمتزن بمكانة مُجتمعية ومادية ومهنية وعلمية تتفوق على مكانة الرجُل الذي يتم اعتباره ”ولي أمرهن“ بسبب الزواج أو قرابة الدم دون أن يكون مهتمًا بشؤونهن حقًا أو معتنيًا بأمورهن، بل قد يكون حاقدًا مُجرمًا تواقًا لإذلالهن والانتقام منهن بحرمانهن من هذا الحق!
من المؤسف أننا في عالمنا العربي مازلنا متخلفين جدًا عن ثورة التقدم الإنسانية في بقاع العالم التي تجاوزت عصور التمييز العنصري ضد المرأة، وبينما تركض بلدان أخرى كل لحظة نحو مزيد من التقدم؛ نراوح في مكاننا عالقين في ماضٍ لم يعُد قادرًا على مواكبة ظروف الحاضِر.