التضامن العربي مع سوريا خطوة واعدة
لن يكون بمقدور تركيا، مواصلة العدوان على سوريا، إذا ما اتخذ العرب جميعاً مواقف حاسمة وصلبة ضد هذا السلوك.
منذ قرابة عقد من الزمن، بدا النظام العربي، الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية مترنحاً. وبات الشعور بأن إعلان شهادة الوفاة لهذا النظام هي مسألة وقت. وكانت شيخوخة جامعة الدول العربية، وعجزها عن تنفيذ التزاماتها في حماية الأمن القومي العربي، وتطبيق المعاهدات التي وقعها القادة العرب، منذ تأسيسها، بمثابة الدليل القاطع على شيخوخة هذا النظام وعجزه، عن حماية الأمة العربية، وصيانة أمنها واستقلالها.
وفي ظل الوهن العربي، تكالبت القوى الإقليمية والدولية على منطقتنا، وبرزت النزعات الإثنية والطائفية، ونزعات انفصال الأطراف عن المراكز. وليس على المرء سوى أن يمعن النظر في الخريطة السياسية للوطن العربي، ليتأكد من ذلك.
احتلال أمريكي للعراق، يتبعه قيام ما يقترب من الدولة المستقلة للأكراد في شماله. وانفصال لجنوب السودان وقيام دولة مستقلة، حظيت سريعاً باعتراف المجتمع الدولي. وصراع الجنجويد في غرب السودان في دارفور. ومحاولات في أقطار المغرب العربي، إبراز الهوية الأمازيغية، على حساب الهوية العربية الجامعة.
و«الربيع العربي»، الذي وعدنا بأن يكون ربيعاً للحرية والكرامة الإنسانية، أحال واقع العرب إلى جحيم، وتسبب في تهجير أكثر من خمسة وعشرين مليون عربي، خارج أوطانهم، ومصرع أكثر من نصف مليون عربي، معظمهم من المدنيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما جرى.
تحولت سوريا وليبيا واليمن، إلى ملاذ لعصابات الإرهاب، وشهدت هذه البلدان، ولا تزال ما يقترب من الحروب الأهلية. باتت في القطر العربي الواحد، أكثر من حكومة، وغدت سياسة الاجتثاث والقتل على الهوية، جزءاً من الواقع اليومي العربي، كما جرى في العراق، وكما هو حاصل الآن في ليبيا واليمن، وأجزاء من الأراضي السورية.
هذا المشهد الكئيب، وشبه الشامل، قد شجع دون أدنى شك نزعات التوسع والعدوان، لدى القوى الإقليمية، تحت ذرائع واهية غدت مكشوفة للجميع. مارس العدو «الإسرائيلي»، بناء المستوطنات، وهدم البيوت، وتجريف الأراضي، وبناء المعابر والجدران العازلة، والعبث بحقوق الفلسطينيين. وكان العجز العربي، فرصة سانحة، لقضم المزيد من هذه الحقوق، وتهويد القدس، والتنكر لعروبتها، وشطب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم من قائمة الحقوق، التي أقرتها شرعة الأمم، ومبادئ هيئة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
وبالمثل، تفردت طهران، بأرض الرافدين، وشجعت بدعم أمريكي واضح، على قيام نظام المحاصصة الطائفية والإثنية، في العراق، وحالت دون قيام دولة وطنية قوية، في هذا البلد العريق.
وبالمثل، لم تضيع تركيا، فرصة الأزمة السورية، وانشغال الدولة بالأحداث التي تداعت، منذ عام 2011م، فأخذت في صب الزيت على النار، داعمة الإرهابيين بمسمياتهم المختلفة ومحرضة لهم على التخريب، وخدمة أجنداتها السياسية. لكن السحر انقلب على الساحر، فأكراد سوريا، الذين شهدوا تكالب القوى الدولية والإقليمية على بلادهم، وجدوا في الأحداث فرصة سانحة، ليشكلوا ميليشيات خاصة بهم، أطلقوا عليها اسم «قسد». وقد عبروا في مناسبات عديدة عن عزمهم إقامة حكم ذاتي خاص بهم في إدلب والحسكة، ومناطق أخرى، من الأراضي السورية.
لكن الأتراك، الذين تحكمهم، بزعامة رجب طيب أردوغان، عقدة الخوف، من مطالبة أكراد تركيا بدولة مستقلة في المناطق التي يتواجدون فيها في جنوب تركيا، وجدوا في مطامح أكراد سوريا، تهديداً لأمنهم القومي. وبدلاً من دعم سوريا، في الحفاظ على وحدة أراضيها، قاموا بشن عدوان سافر على الأراضي السورية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يطلقون فيه بقايا داعش وجبهة النصرة، للمشاركة في هذا الهجوم.
الموقف العربي الرسمي، الواضح والصريح، في إدانة عدوان تركيا على سوريا وشعبها، هو خطوة مهمة وواعدة وصحيحة. وأهميتها أنها تأتي الآن وسوريا بدأت تسترد عافيتها، وأن الأزمة التي عانتها قرابة عقد من الزمن باتت في خواتيمها.
لن يكون بمقدور تركيا، مواصلة العدوان على سوريا، إذا ما اتخذ العرب جميعاً مواقف حاسمة وصلبة ضد هذا السلوك. ومثل هذا الموقف، سيكون درساً لكل من يحاول النيل من العرب، ويعمل على استثمار فرقتهم وتنازعهم، سواء على المستوى الإقليمي، أو المستوى الدولي.
وفي الوقت الذي نبارك فيه خروج جامعة الدول العربية، بموقف صلب من العدوان على سوريا، نتطلع إلى أن يكون ذلك فاتحة خير، لتصفية الخلافات، بين الحكومات العربية، والتي أعاقت العمل العربي المشترك، وأن يجري العمل بوتائر سريعة، من أجل أن تستعيد جامعة الدول العربية دورها، ومن ضمنها عودة سوريا إلى حضن هذه الجامعة، وأن يجري تفعيل المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق، السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، بما يسهم في الدفاع عن الأمن القومي العربي، ويصون مقدرات الأمة ومستقبلها، ويضعنا في القلب من حركة التاريخ، المتجهة إلى الأمام.