آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

في بيتنا زنديق

جلال عبد الناصر *

في بيتنا زنديق... لطالما كان ذلك الأب يردد تلك العبارة، فقد كنت أشعر بمرارة العذاب وحرقة القلب التي ترتسم على تقاسيم وجهه. فهو غالبا ما كان يصحو ليصلي الفجر ثم يدس وجهه بالتراب ليتفرغ بعد ذلك لمعالجة مشاكل ابنه. وما أن تحل التاسعة مساءا حتى ينهار جسده ويرمي بنفسه في المنام.

كان هذا جدوله شبه اليومي في السنوات الاخيرة إلى أن شاب رأسه وهرمت عظامه. حتى جاءت اللحظة التي يأمل أن يسمع فيها بأن أعضاء ابنه قد تناثرت إثر حادث سيارة، أو إنه تفحم نتيجة صعقة كهرباء.

إن أصعب ما يمكن تصوره على الانسان في هذه الدنيا هو أن يكون لك عدو يسكن بيتك، ويفصل بينك وبينه جدار سمكه أقل من ثلاثون سنتيمتر، وخطر ذلك العدو يمتد إلى من هم تحت مسؤوليتك من زوجة وأبناء. ومما يزيد الأمر جنوناً أن يكون ذلك العدو هو إبنك.

حيث يروي ذلك الأب المسكين بأنه قبل خمسة وعشرون سنة جلس يدعو ربه مراراً بأن يثبت ذلك الجنين في رحم أمه. فهو مشتاق لأن يشاهد أخ يلعب مع ابنه الأكبر ويسانده إذا هرم، ويكون عوناً لأمه التي أجهضت ثلاث مرات بعد ولادتها الاولى.

وشاءت الأقدار بأن يصل دعاؤه للسماء ويثبت ذلك الجنين، وبدأت تلك العلقة تتحول إلى نطفة، ثم إلى مضغة ثم إلى شيطان.

وكلما تذكر الأب تلك اللحظات التي كان يتضرع فيها الى الله، كان يتمنى بأنه لو دعا على ذلك الابن بالموت لحظتها. فلقد تلقى ذلك الابن نفس التربية التي تلقاها أخيه الاكبر والاصغر أيضا. فالأول يعمل في المجال الصحي والثالث يعمل في التعليم. أما بالنسبة للأخوات فهن ما زلن صغيرات، ولكن تظهر عليهن علامات تنبؤ بمستقبل واعد. ودائماً ما كان يتأمل الأب في نفسه، فهو لم يكن مجرماً يوماً من الايام. كذلك لم يكن لديه أخ أو عم أو خال أو أي أحد من أسرته له تاريخ اجرامي، والحال نفسه بالنسبة لأهل زوجته.

فيعجب حينما يتذكر السرقات المتكررة لابنه بالرغم من انه ليس بحاجة للمال، أو حينما يتذكر المشاجرات التي لا تكاد تنتهي والتي وصل به الأمر لتعاطي الحشيش والاتجار بها.

وقد وصل الحال إلى أن عمّال النظافة اعتزلوا الشارع الذي يتواجد فيه خوفاً من أن يعتدي عليهم ذلك الابن أو الزنديق كما يطلق عليه. ويزداد به الأمر سوءاً حينما يشاهد الناس المتضررين من أهل المنطقة. وبمجرد الانتهاء من استرجاع المسلسل الدامي ينتهي به الحال بنوبة من الحزن تسبقها لحظة انفجار يجهش فيها بالبكاء.

من المعروف بأن البيئة والوراثة والتربية هم العناصر المؤثرة في سلوك الانسان. وقد كشف التاريخ الأسري بأن هناك تفرقة في التعامل بين الأبناء من قبل الأب، حيث سرد الابن مجموعة من المواقف والقصص المأساوية التي واجهها في طفولته. والغريب بأن الأب كان يتذكر أكثر المواقف، وكان يتذكر أيضا بأن زوجته وأمه كانا تحذرانه من تفضيله الدائم للأبن الاكبر.

ومن دون أدنى شك لقد خلق الأب خلل في التوازن النفسي للابن، مما أدى إلى ظهور السلوك المضطرب والعدوانية لديه.

نرغب جميعاً بأن نكون سعداء ونحن نتحمل جزءاً كبير من صناعة السعادة لأنفسنا، وجزءاً من تلك من المهمة هي أن نكون حذرين جدا في التعامل بين الابناء ومن أهمها العدل بينهم.

وقد جاء في الحديث الشريف ”اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم“.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام