«النملة» وهيئة الاستشارات المالية
قصة النملة في علم الإدارة من أشهر القصص، ملخصها بتصرف تقتضيه المقالة مني أنَّ نملة نشيطة تعمل تحت صرصور، وكانت غاية في الاجتهاد والمثابرة والإنتاج، الصرصور وبعد أن كبر في السن شاء أن يوظف رئيسًا تنفيذيًا للشركة عوضًا عنه، واختار عنكبوتًا لهذا المنصب، فقام العنكبوت ووظف صديقته الخنفساء مديرة على قسم الموارد البشرية، كما وظف صديقه الدبور لاستلام مهام الإدارة المالية.
وبعد فترة من الزمن رأى العنكبوت النملة وقد انزوت في إحدى الزوايا وبدأت في استخدام هاتفها الجوال و«التنكيت» مع صديقاتها عبر «الواتس آب» والقهقهة المرتفعة، الأمر الذي يعني أن هناك سرقة للوقت، فقام على إثرها وبقرارٍ عاجل بتعيين عشر بعوضات لمراقبة الأداء والتأكد من عدم وجود أي مخالفات في بيئة العمل، غير أنَّ انخفاضًا كبيرًا أصاب أرباح الشركة من كثرة توظيف الحشرات الصديقة.
فقام العنكبوت بعد تفكيرٍ مضنٍ بتوظيف خنفساء أخرى لإعادة هيكلة الشركة واستئصال العناصر التي تتسبب في ارتفاع التكاليف التشغيلية للشركة، وهذه الخنفساء هي ابنة عم مديرة الموارد البشرية، وبعد دراسة مضنية وبالاستعانة بشركة «النواميس لميتد» كلفت الشركة خمسة وعشرين مليون ريال، رفعت الشركة توصياتها أخيرًا بفصل النملة من العمل لأنها السبب الرئيس في ارتفاع التكاليف!.
تم إنشاء صندوق النقد الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف بناء منظومة مالية عالمية آمنة، ويقوم الصندوق بمجموعة أدوار من أهمها تقديم دراسات وتوصيات إلى البلدان التي تتعرض لهزات اقتصادية أو من الممكن أن تتعرض لها مستقبلًا، كما ويقدم قروضًا للدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية بحيث يدعم النهوض بها من جديد، في تصوري أنَّ وجود من يقوم بدور الاستشاري الاقتصادي ومن يقدم التوصيات التصحيحية للشركات في أي بلد لا سيما السعودية قد يدعم اتخاذ خطوات تصحيحية مهمة تقي الشركات من التعرض لصعوبات مالية بسبب الخسائر، أهمية هكذا دور هو أنَّ تدهور الشركات أو إفلاسها له أضرار اقتصادية واجتماعية قد تكون خطيرة حينما يتسبب ذلك في جر شركات أخرى لذات التعثر المالي أو الإفلاس وكذا لفقد أعداد كبيرة من المواطنين لمصدر رزقهم.
كل ذلك يجعل حماية الشركات من خلال إرشادها لمواطن الخلل من شأنه تلافي أخطار ما كان لها أن تستمر لولا وجود الضعف الإداري والجهل بمواطن الخلل.
تكرار حالات الإفلاس التي تعلنها بعض الشركات بين الحين والآخر هي مشكلة اقتصادية لها عواقب وخيمة، في تصوري أن وجود جهة مالية مستقلة يسند لها تحليل بيانات الشركات المودعة في مصلحة الزكاة والدخل والتأمينات الاجتماعية وتقديم التوصيات التصحيحية، يمكن له أن يشكل صمام أمان أو خط حماية يتسبب في تصحيح مسار الشركات، أما دون ذلك فستبدو نسبة من الشركات مهيأة للسقوط في ضل وجود عناصر إدارية تعتقد أنَّ تصحيح المشاكل المالية يبدأ بإزالة «النملة» فيما هم الجزء الأكثر ضررًا بالشركة ومصالحها.