اعملوا آل داوود شكراً
لأيام سبقت كتابتي لهذه السطور كنت بمعية قراءاتي، أسائلها بحثاً عن منحى آل داوود في الشكر فكان في ما استبطنها إجابات أثارت في جعبتي تأملات عدة، لا أخفي على القارىء الكريم عن تقاعسي بين الفينة والأخرى خلال رحلة التحصيل هذه، وحقيقة ما دفعني لإتمام ما ابتدأت به، هي تلك اللحظة التي طرق فيها صوت صديق المنشاوي مسامعي بالآية الثالثة عشر من سورة سبأ: «اعملوا آل داوود شكراً»، عندها كانت والدتي تنصت إلى تلاوته في غرفة جاورت الغرفة التي قصدتها لإعادة كتاب ما إلى مكتبة منزلنا الخاصة.
كثيراً ما يرتبط مفهوم الشكر لدينا بما يجري على الألسن من ثناء وحمدٍ في حق الله، إثر ارتباط الأمر بنعمة أو لطفٍ تحقق لنا بفضل من عنده، أو ما يجري على ألسنتنا من ثناء ومدح متبوع بموفور الدعاء تجاه من أسدى لنا معروفاً، أومن تكلف لبذل الخير إلينا تحبباً وإكراماً. لكن كيف يكون للشكر بالعمل أفضلية على الشكر باللسان بل يتعدى الأمر ذلك بدعوى تحقيقه امتثالاً.
يرى بعض الباحثين أمثال فاضل السامرائي أن: ”الشكرعمل“ يراه كغيره من سائر الأعمال التي يقترن تحققها توافرالقصد كمؤشرذي بدء لآداء أي عمل عبادي وليس فعلاً يؤتى به غراراً لتنفيذ أمر ما. هي كالأعمال التي ندفع أنفسنا للإتيان بها نحو من يستحقها إلزاماً، ومن البديهي أن يكون مردود تخلصنا من هذا الثقل على أرواحنا عذباً سائغاً وكأنما تم تصفية هذه الروح من شوائب أمور تركناها معلقة.
تقتضي ضرورة التدقيق أن الشكر وإن كان كغيره من الأعمال يتطلب القصد في تأديته إلا أنه يتفرد عن ما سواه في أنه حري به أن يتم تحقيقه تحبباً لا إكراهاً؛ لذلك عندما نستمع إلى أخبار الطاقة العظيمة التي يخلفها آداء الشكرعلى أصحابها وينكر البعض الآخر تحقق ذلك الأثر، فلعل الأقرب لتعليل عدم لحظ تلك البارقة هوانعدام الإدراك بمدى أهمية توطين القلب بأن يكون بصيراً في حبه لما يعمل، فيستعذب حلاوة الشكربمردودها البهيج على روحه، وإن لم يكن انعكاس ذلك الشكرعلى متلقيه موازياً لما استظهره صاحب الشكر من عرفان.
توظيب القلب على أن ينبثق الشكرمن بين أركانه حباً وطواعية يحتاج لنفس صبورة، حيث يوضح الباحث عبد الدائم الكحيل أن العبد الشكور الصبورهو الذي يعي أيات الله في الكون ويدرك عمق مدلولاتها استناداً لقوله تعالى: «إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور»، كما بين أن الشكر مدخل لتدفق الحكمة على أصحابها ويعلل ذلك حين يطلب الله تعالى الشكر من لقمان جراء ما تحقق له من حكمة، «ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله». كما استطرد أن الشكر سلوك يسلكه الأنبياء ومن قرب من منزلتهم عند البلايا والمحن كإلهامٍ وتوفيق من خالقهم لعمل عظيم، «قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر»، «كذلك نجزي من شكر». البحث أعمق من يلخص في سطوروأدعو من يريد الإستزادة أن يبحر في أعماق هذا الموضوع كيفما يشاء حتى يتكشف له الشكر في أنه عمل وسلوك معاً. إن الشكر العملي يستدعي بأن يكون الفرد متأملاً في المواهب الإلهية التي وهبها الله تعالى إياها فينطلق مرتكزاً على إثرها للعمل محققاً رسالته السامية؛ لذلك اختير منحى آل داوود في الشكر كمنهج تنويري في طريق الأهداف يسعى إليه كل من يريد الشكر على بصيرة. «الأمثل» *