وافق شن طبقه
حياة الإنسان، توافقية المزاجية، الأفكار، الرغبات، فلا تتكون علاقة ما، بمعزل عن هذه التوافقية، كالعامل المشترك في الأعداد الرياضية، كذلك العلاقات الاجتماعية بمختلف ألوانها، ثمة عامل مشترك. قد يفر التعجب، ليسقط في مطلع طريقك، لتقف متعجبًا، متسائلاً: وكيف ذلك؟!، - لا تتعجب، السؤال في غير محله، لا تسأل -. إنه من طبيعة الإنسان، أن يأتي اجتماعيًا، فلا يستطيع العيش مُفردًا في هذه الحياة، لذا يحتاج إلى العلاقات الاجتماعية، كاحتياجه إلى الماء، نعم، قد ينعزل البعض عن الحياة الاجتماعية - وهذا نادر جدًا -، وله أسبابه، التي تُبرره، ولكنها لا تُعد ظاهرة اجتماعية. وعليه، فإن اختيار الرفيق - الصديق -، يعتمد على وجود نقاط مشتركة بينهما، أكانت في المستوى المعيشي، أم الثقافي والتربوي، أم النفسي، أم الرغبة في نوعية التطلعات، التي تُنشد من قبلهما.
يقال بأن ”وافق شن طبقه“، لها حكاية - لا بأس بذكرها -، كان شن رجلاً من دهاة العرب وعقلائهم، إذ قال: والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها، بينما هو في بعض مسيره إذ وافقه رجل في الطريق فسأله شن: أين تريد؟، فقال موضع كذا، يُريد القرية التي يقصدها شن، فوافقه، حتى إذا أخذا في مسيرهما، قال له شن: أتحملني أم أحملك؟، قال له الرجل: أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟!، سكت عنه شن، وسار حتى إذا قربا من القرية، إذ بزرع قد استحصد، قال شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا، قال الرجل: يا جاهل، تُرى نبتًا مستحصدًا، تقول أكل أم؟!، فسكت عنه شن، حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة، قال شن: أتُرى صاحب هذا النعش حيًا أو ميتًا، قال الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة، تسأل عنها أميت صاحبها أم حي، فسكت شن، وأراد مفارقته، أبى الرجل أن يتركه، حتى يصير إلى منزله فمضى معه.
كان للرجل بنت يقال لها ”طبقه“، فلما دخل عليها أبوها، سألته عن ضيفه، أخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جهله وحدثها بحديثه، قالت: يا أبت ما هذا بجاهل، أما قوله: أتحملني أم أحملك؟، أراد أتحدثني أم أحدثك، حتى نقطع طريقنا، وقوله أترى هذا الزرع أكل أم لا، أراد هل باعه أهله، فأكلوا ثمنه أم لا، وقوله في الجنازة، أراد، هل ترك عقبًا يحيا بهم ذكره أم لا.
خرج الرجل، جلس إلى شن، حادثه ساعة، ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه؟، قال: نعم فسره، قال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني من صاحبه؟، قال: ابنة لي، فخطبها إليه، فزوجه إياها، وحمله إلى أهله، فلما رأوها، قالوا وافق شن طبقه.
بعيدًا عن التوافقية، جاءت المنافع المشتركة، كبوصلة في بعض العلاقات الاجتماعية، لتجد هذا في امتداد هذا، لأنه سيفرش إليه من أمنياته، ما يستطيع تحقيقها له. أحقًا - وللأسف الشديد -، نعاني من هكذا علاقات اجتماعية، تُجيرها المنفعة، لا التوافق، وتُفرخ امتدادها في الثقافة، والأعمال التطوعية..، لتأخذنا العاطفة، الأهواء النفسية في تعاملاتنا، وما سيفرزه ذلك على المستوى الشخصي والجمعي - المجتمع -، من تعاسة، لتبصر ذات ضوء نافذة، بأن هناك من يتسلق على جهود الآخرين، وأمنياتهم، ليقول: ”هذا أنا“،. ”وافق شن طبقة“، أتكون الحكاية، مفادها: أن يبحث الإنسان بجد، ليُكون صداقاته على أساس التوافقية، لا على رغوة الأهواء، واشتهاء ال ”أنا“، طروبًا بالمدح، الذي لا يستحقه، بينما يستحقه الآخرون. إن استشراء ال ”أنا“، في ذاتية الإنسان، لا تصله للقمم الشماء، بقدر أنها تُرجعه إلى الوراء، أكثر وأكثر.