الملقوف
يتلذذ في معرفة كل شاردة وواردة، ينتابه الأسى، يُقضب جبينه حسرة، إن لم يُشبع رغبته عبر التدخل في شؤون الآخرين، واقتحام خصوصياتهم. ”الملقوف“، كلمة، يطلقها أهل القرى والمناطق على الشخصية، التي تتدخل في ما لا يعنيها، أكان تدخلاً في نقاش بين طرفين، ذنبهما أن الحديث، جاء بالقرب منه، ليدلي بدلوه بطريقة، تدلل على بساطة الثقافة لديه في ما يُعنى باحترام خصوصيات الآخرين، ليأتي عبر تدني الأسلوب، حيث غالبًا ما يكون في شكله السلبي، وإن كنت محظوظًا، جاء - الملقوف -، الذي ابتليت به، مثقفًا، لا يُزعجك إلا من خلال تدخله ثقافيًا، لا أكثر.
يُعرف معجم المعاني اللقافة، بأنها من الاسم ”لقف“، الذي معناه حاذق - سريع الفهم -، لما يلقى إليه من الكلام، ومنه القول: لقف الكرة، أخذها بسرعة، وهي مرتفعة. إذًا، إن اللقافة في معناها اللغوي، تدلل على الحذق والفهم، والذكاء، إلا أنها في البيئة الاجتماعية، نراها تدلل على أسلوب فض، وتصرف لا يقبله الآخر، يشعر به متطفلاً، ثقيلاً في حضوره. يؤثر المجتمع في إضافة دلالة أخرى على الكلمة، وإن جاء معناها مغايرًا في اللغة العربية، ولسنا هنا في تبيان هذا التأثير الاجتماعي اللغوي، فإن له أهله من المختصين - ولست منهم -، ولكن لا يُمنع الإشارة بأن ثمة اختلاف، فاللهجة العامية، لها وقعها في إضافة المعاني الأخرى، نظير استخدامها اجتماعيًا.
تتحول - اللقافة -، إلى عادة، مع الاستمرار في التعامل بها، مما لا تجعل الإنسان، يشعر بأنه - ملقوفًا -، وبأن تصرفه، يثير القلق، لدى الآخرين. إن الإنسان، يحتاج إلى التوجيه، إذا ما جاء الآخر بشيء لا يناسب، لذا، وفي سبيل علاج المبتلي من آفة - اللقافة -، ينبغي التوجيه، التنبيه، بأن هذا الأسلوب، لا يتناسب، مع ثقافة احترام خصوصية الآخرين. وعليه، حين يسمح الإنسان، لنظيره بأن يُمارس عليه - اللقافة -، فإنه يضع ذاته في معترك الألم، ليجعل من ذاته، تستشعر القلق بين فترة وأخرى.
إن الإنسان اليوم، ينتابه الشغف إلى المعرفة، يسأل، ليتعلم، يقرأ، ليتعلم، يصغي، ليتعلم، لا أن يقحم ذاته، ولسانه في أمور، ليس له علاقة بها. لو يعلم الإنسان، الذي يتدخل في خصوصيات الآخرين، أي قلق، سيشعر به الآخر، لوقف برهة، يُفكر، حينها، سيتخلص من هذه الآفة - إن أراد -. وعليه، كم موقف ما، كلمة ما، جعلت الإنسان، يتألم، نحن السبب في تألمه.