اختلاجات وصراعات النفس البشرية
النفس البشرية في ظاهرها بسيطة؛ لكنها في غاية التعقيد، حالات من الجذب والدفع والانبساط والانقباض لا تنفك عنها!
ومن منطلق قول الإمام علي : ﴿ذروة الغاية لا ينالها إلا ذوو التهذيب والمجاهدات﴾ ، ستكون لنا وقفة اركيولوجية - إن جاز هذا الوصف - في بعض عمق هذه النفس؛ للإقتراب منها ومعرفة بعض من أسرارها لنتعاطى معها بدراية وحنكة لنصل للفلاح!
بحسب بعض مدارس علم النفس تتكوّن هذه النفس من ثلاث:
1/ الهو: الغرائز، الرغبات، الشهوات فهذه الجنبة لا تستهدف إلا الحصول على اللذة.
2/ الأنا: الجزء المساعد على معرفة الواقع وتُعنى بتوفير الطمأنينة.
3/ الأنا الأعلى: الجزء الأخلاقي الذي يخبرنا عن الصواب والخطأ، الضمير والمجتمع وضوابطه، المبادئ والأفكار المثالية.
ثمة عوامل تختص بالهو، وكأنما الأنا منطقة برزخية بين الهو والأنا الأعلى؛ هذه العوامل هي:
1/ الشهوات والغرائز والميول والأهواء النفسية المعبّر عنها بالمنطق القرآني «الهوى» ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾ ”سورة ص26“.
2/المغريات والمثيرات المحركة للشهوات والغرائز؛ وهذا قائم في ساحة الحياة وبالمنطق القرآني «الفتنة» ﴿واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ ”سورة الأنفال 28“.
3/ إبليس وجنوده من شياطين الجن والإنس، ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن﴾ ”سورة الأنعام 112“.
وهذه التقسيمات قريبة جداً لأسماء النفس في علم النفس الإسلامي؛ التي تعكس تلكم التكوينات المذكورة، فالنفس الأمارة بالسوء وكأنها الهو، واللوّامة وكأنها الأنا، والمطمئنة وكأنها الأنا الأعلى!
النفس البشرية بتكويناتها لها دوافع، تارة تكون أولية كالدوافع البيولوجية والفسيولوجية المتعلقة بحفظ الذات كالحاجة للمأكل والمنام والمشرب وأخرى ببقاء النوع كالأمومة والأبوة وهذه الدوافع نابعة من عمق البناء الجسدي والروحي للبشر.
ودوافع ثانوية وهذه تكون نتيجة تفاعل الفرد مع بيئته الاجتماعية؛ كالحاجة للأمن والتقدير الاجتماعي والانتماء للجماعة.
وفي حال عدم تحقيق الدوافع، يفرز صراعاً نفسياً وهنا نقطة الارتكاز؛ فالصراع النفسي: حالة يمر بها الفرد حين لا يستطيع إرضاء دافعين معاً، أو عدة دوافع ويكون كل منها قائماً لديه، ويرافق وجود الصراع شعور بالضيق والقلق والتوتر. فتلجأ النفس للتخلص من هذا الصراع لميكانزمات الدفاع!
وهي حِيَل لا شعورية يستخدمها الإنسان في حالة الصراع وقد تتداخل فيما بينها!
والغرض منها؛ حماية الشخص لنفسه من التوتر أو التهديد أو النظرة المجتمعية السيئة، وإيجاد ملجأ يحميه من الموقف الذي لا يستطيع مسايرته في الوقت الراهن!
وبظني؛ أن الكبت والقمع هما الأساس والقاعدة التي تنبع منها معظم آليات الدفاع، التي منها:
1/ التماهي: إدماج فكرة أو موضوع للتوحد والتقارب اللاواعي مع الأشخاص الذين يحملون نفس الأفكار، وهذا واضح جداً في بعض التجمعات التي لديها أفكار - غير مقبولة - شرعاً أو عُرفاً.
2/ الإسقاط: هجوم يحمي الفرد بها نفسه؛ بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المستهجنة بالآخرين. كصاحب عقدة ما يرفض الاعتراف بها لما تسببه وتثيره من ألم، أو تُشعره من نقص؛ فيلصقها بالآخرين.
3/ التبرير: محاولة إيجاد سبب منطقي للسلوكيات أو الدوافع عن طريق اعطائها مبررات وأسباب مقبولة، وهذا جلي أيضاً في السلوكيات الاجتماعية، فبحسب رأي الفيلسوف الأمريكي «مايكل جونز» في دراسته في كتاب «تفسخ الحداثيين» وهي مذكورة في كتاب «الإلحاد مشكلة نفسية» للدكتور المصري «عمرو شريف» أن الحداثة محاولة لتبرير الانحرافات الجنسية، والباحث في تاريخ نهضة الإمام الحسين وأحداث كربلاء المؤلمة؛ يجد هذه الحيلة واضحة جداً لدى الخصم؛ فمن ضمن الشعارات التي نشرها الخصم أن الحسين شاق لعصا المسلمين!
وفي محاجات العقيلة زينب مع ابن زياد؛ الذي اتخذ خطوة استباقية لدفع التهمة عنه قائلاً لها: «الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم»؛ فما كان من زينب إلا أن توجه البوصلة لاتجاهها الصحيح وتفضح المنطق التبريري قائلة: «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ﷺ وطهّرنا من الرجس تطهيرا؛ إنما يُفتضح الفاسق ويُكذّب الفاجر وهو غيرنا»!