شيء عن الخطابة الحسينية في القطيف
في كل عام ومع بداية شهر محرم الحرام تزداد قناعتي بأننا نحظى بنعمة عظيمة يفتقدها آخرون، وهي نعمة هذه المجالس الحسينية العظيمة والمتنوعة التي تضيف كل عام معرفة وخير وبركة لهذا البلد.
المجالس الحسينية ليست مقتصرة على القطيف فقط، وأنما تختص القطيف بهذا التميز وهذا التنوع في الخطابة الحسينية بشكل لافت، فبالرغم من قاعدة: مغني الحي لا يطرب، إلا أنه أيضا لا يمكن للشمس أن تغطى بغربال، ولعل الرؤية من البعد تعطي صورة بانورامية أفضل من الرؤية من الداخل.
في هذا العام كسبنا وجود سيد منير الخباز بيننا، كما فقدنا أيضا تواجد سماحة الشيخ إسماعيل المشاجرة حفظه الله، وهو الذي كانت محاضراته تشكل إضافة مهمة في المشهد الحسيني العام في القطيف.
لفت نظري هذا العام ما أسميه انتصار المنبر الحسيني لعلم النفس وبشكل غير مسبوق من قبل عدد من الخطباء، وكأن هناك تنسيق بينهم، لقد سلط الشيخ حسن الصفار الضوء على نقطة مهمة في هذا الشأن وهي أن الدراسات الأجنبية بهذا الخصوص وأن كانت مهمة إلا انها خاصة بمجتمعات مختلفة عنا ليس بالضرورة انطباق حلولها على مجتمعنا، وبالتالي هناك حاجة لعمل دراسات محلية ايضا لتقليل نسبة الأخطاء التي قد تنتج نتيجة بعد العامل الجغرافي ووجود مدخلات غير موجودة في المجتمع أو إهمال مدخلات مهمة لكنها غير موجودة في مجتمع الدراسة، وهذا الكلام يتقنه أهل الاختصاص.
عن نفسي تمنيت هذا النوع من المصادفة أو التنسيق في المواضيع، تمنيت ومازلت لو تم أيضا التعرض لموضوع قدسية الطريق، فهو من المواضيع شبه المسكوت عنها بالرغم من أهميتها وأهمية أن تتظافر جهود عدة جهات تتحمل مسؤلية هذا العبئ الذي اخذ ينهش في جسم وروح واخلاقيات المجتمع. بالطبع ليس من مسؤولية المنبر الحسيني حل هذه المشكلة بقدر ما هو إيضاح للناس وبيان وتأكيد لأهمية قدسية الطريق وأيضا تحريض للجهات المعنية لتدارك تبعات هذه المشكلة، فهي من الحجم والفداحة ما يستحق أن تعلن حالة طوارئ بلدية ومرورية بشأنها.
لفت نظري أيضا قدرة احد الخطباء على تبيان الرأي الشرعي في موضوع الولاية على الأبناء في أقل من من خمس دقائق، وتمنيت لو اسهب قليلاً للمقارنة بين الرأي الشرعي المتقدم وبين ما يُعرض في وسائل التواصل الاجتماعي بأعتباره الرأي الشرعي ثم انتقاده بأعتباره هو الرأي الشرعي.
ما يثلج الصدر أيضا أننا نرى التفاعل مع المجالس الحسينية بدأ يأخذ أشكال مختلفة وبتزايد ومن اهمها التعليق والكتابة وتسجيل الملاحظات حولها، وهذا لا يعني صوابية كل هذه الكتابات ولا ينبغي أن تكون كلها صحيحة ولكنه الفضاء الطبيعي الذي ينبغي البحث فيه والأخذ بأحسنه، فكما أن ليست كل المحاضرات في مستوى واحد، كذلك أيضا لا يمكن حمل كل، ما فيها على الصحة وهي عرضة للنقد والتصحيح. والخطيب أيضا هو بحاجة لفضاء من التجربة والخطأ خصوصاً لمن تمثل له هذه المرحلة مرحلة تحول وانتقال في مستوى وشكل الخطابة الحسينية.
قناعتي أن هذه الانتقادات حتى الحاد منها وغير الصحيح أيضا سوف يساهم في تصحيح مسار النقد تلقائياً، هذه هي طبيعة الأمور، وأن الاستمرار في هذا سوف يجعل الخطابة الحسينية تأخذ أشكالًا أكثر تفاعلية، وأن الخطابة الحسيني التي تعددت أشكالها الآن - بفضل خطبائها -
أخذت بعدًا ومسارا آخر ابعد من المحلية الضيقة.
لقد ساهم ويساهم خطباء المنبر الحسيني من بلدنا في هذه النقل النوعية، وهي خير داعم أن شاء الله لرفع القيم الحسينية والمبادئ الإنسانية ورفعة وعزة بلدنا.