آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

لاحظ فنجانك!

كمال بن علي آل محسن *

يا له من مقهًى ساحرٍ خلّاب!

يُشعرني بلذةِ الهدوءِ الشاطئي الفيروزي، الذي يصاحبه صوت رشفاتي لفنجاني الذي يحوي مشروبي المفضل، ويمتلك شفرة مزاجي الحالم. يقدم لي نادل المقهى - بكل بشاشة ولباقة وكياسة - ذلك الفنجان المختار بعناية من قِبَلِي، بعدَ أنْ ملأَهُ بكلِّ حِرَفِيَّةٍ بما أحبُّ وأهوى، وبعد أنْ أخذَ الإذنَ مني لملْءِ ذلك الفنجان.

إصراري وتصميمي على ألا يملأ النادلُ فنجاني إلا بما أرغبُ وأريد، واهتمامي وحرصي الشديد على ألا يعكر صفو حالتي المزاجيةِ الإيجابية ملءَ كوبٍ صغير - ربما - يؤثر على متعتي وسعادتي إن أنا شربته، كل ذلك يؤدي لأن يتكون في أعماقي استفسار منطقي يخالطه الاستغراب والتعجب والذهول!!

إذا كنت أدقق كل هذا التدقيق، وأمحص كل ذلك التمحيص على أمر بسيط يسير كهذا؛ خوفا على مشاعري وأحاسيسي من أن تُخدش أو تتأثر، فكيف أسمح - وبكل سهولة - لأحدٍ أو لحدثٍ أو لشيءٍ ما مهما كان أن يملأ فنجاني بأحاسيس ومشاعر سلبية لا أحبها، فتتراكم بداخلي وتسيطر على سلوكاتي وتصرفاتي، ثم توجهها وتديرها بطريقة تجعل حياتي رهينة ردات فعل غير محسوبة العواقب قد تبدر مني تجاه أي موقف يحدث لي، وتكون نتائجها خسائر كبيرة ومن العيار الثقيل والتي قد لا يمكن تحملها، ولا تكون المبررات التي دعتني لتلك الأقوال أو الأفعال كافية؛ حتى أقنع بها نفسي فضلا عن الآخرين. إنني وبكل بساطة وافقت وبمحض إرادتي أن يمتلئ فنجاني فقط بالأحاسيس السلبية حتى طفحت وفاضت، وأصبحت خارج نطاق سيطرتي، ليس هذا فحسب، بل انتقل أثرها سلبا ليشمل مساحات أكبر مني وهم الناس من حولي.

الإنسان هو وعاء كبير تدور بداخله مجموعة من المشاعر المتدفقة التي تتأثر طلوعا ونزولا بسبب الأشياء والأحداث والناس، والمشاعر هي وقود الإنسان ولا يعمل العقل إلا بهذا الوقود، يأتي بعدها السلوك، وبعد السلوك تأتي النتائج، فعليك أن تملأ فنجانك بالمشاعر الإيجابية وبما يسعدك ويرضيك، وأن تسيطر على مشاعرك السلبية التي ستقع حتما - شئت أم أبيت - وستبدأ بملء الفنجان كما تفعل المشاعر الإيجابية مع اختلاف الأثر، فاجعلها وبكل ثبات وعزم وعدم تسويف في نطاق المعقول وفِي حدود تحملك لها، مع محاولة التخلص منها والقضاء عليها وعلى آثارها أولا بأول، حتى لا تتراكم وينتج عنها فيضانا يُغرق الجميع بما فيهم أنت، وإني لأظنك الخاسر الأكبر في كل ما سيحدث!

المشاعر الإيجابية والسلبية كإفراغ الفنجان وامتلائه، فإن حدث أمر إيجابي يفرغ الفنجان، وإن حصل موقف سلبي يمتلئ الفنجان، وهذا واقع طبيعي نعيشه ولا بد لنا أن نتقبله، ولكن التقبل لا يعني أبدا الاستسلام وترك الحلول، فالإنسان الحصيف هو من يعرف كيف يتعامل مع هذا الواقع، وكيف يتخلص - بسرعة ودون تأجيل أو مطاولة - من الأحاسيس السلبية، أو على الأقل يبقيها في مستوى السيطرة، مع زيادة جرعات الأحاسيس الإيجابية، وكل ذلك من أجل أن يعيش حالة من التوازن في سلوكه وتصرفاته، ويستطيع أن يحقق أهدافه وطموحاته التي رسمها على الأوراق، فتحولت بعد رحلة طويلة إلى إنجازات ونجاحات.

كل فنجان له سعة معينة لملئه، فإما أن نستسلم بترك الفنجان يفوض ويخرب كل شيء، أو أن نشرب منه لنستمتع به، وليسهل علينا حمله عندما نتعرض لأي موقف.

وفِي الختام هذه هدية في صندوق ممتلئ بعبارة إيجابية نمنحك إياها؛ لتكون شعارا لك في حياتك:

حياتي رائعة وجميلة، ولن يستطيع أحد أن يؤثر علي أو يغير حالتي الإيجابية!