رِسالة ساذجة وجريمة رائجة
من المعلوم أنّ الاحتيال يُصنّف ضمن الجرائم التقليدية، لكنه يأخذ موقعًا أكثر تأثيرًا من باقي الجرائم التقليدية، نتيجة لما يستند عليه من أدوات تضليل ووسائل خداع كبرى، إلى درجة أن يستطيع بيع الوهم وتسويق الهواء المجاني.
وفي تعريف بسيط، يُفهم الاحتيال بأنه كل ممارسة تنطوي على استخدام الخداع للحصول المباشر أو غير المباشر على شكل من أشكال الاستفادة المالية لمرتكب الجريمة، أو تسهيل ذلك لغيره، لتؤدي إلى شكل من أشكال الخسارة للطرف الذي تعرض للاحتيال.
وفي ظلّ توفر فضاءات واسعة لإطلاق رسائل الاحتيال عبر وسائل الاتصال الحديث، وظّف المتحايلون، جماعات أو أشتاتًا، مِنَصّات برّاقة بالإغراء، ولكنّها خبثٌ وكَذِبُ فاتك، فراحت بتكنيكٍ إطْمَاعيّ، ترمي شباكها المفخخة، أمام ضحيّة الاحتيال، إلى أنْ يغدو الشّق أكبر من الرقعة، ويحدث ما لا يُحمَدُ عُقْباه.
ومن الراجح أن يكون أغلب ضحايا الاحتيال غير عارفين بهذه المصائد الخطيرة، لكنّ الأرجح من جهة أخرى، هو عدم وجود ثقافة الاستنصاح وطلب التوجيه من المختصين في أغلب مثل هذه المعاملات، ممّا يسّهل دور المجرم في افتراس ضحيته.
أمام واقعنا المعاصر الذي تكثر المعاملات البنكية عبر أجهزة الهواتف النقالة، والتي أغلبها غير محصّن بالبرامج الوقائية، توسعت مساحة الفرص التي تستغلها ذئاب الاحتيال، إضافة إلى قلّة الخبرة الكافية لدى غالبية كبيرة من المتعاملين مع منتجات تكنولوجيا الاتصالات المتكاثرة.
إن تفاعل شخص مع رسالة احتيال، بالرغم من رسائل التحذير التي ترسلها الجهات الرسمية ومراكز التوجيه في مؤسساتنا المصرفية، يعقّد مشكلة الشخص المستهدف.
بعض من وقع عليهم التحايل، وصلتهم رسالة إغراء مالي، تحت عنوان الاستثمار والربح السريع، ووصل الأمر إلى الطلب منه تحميل تطبيقات يتم خلالها إدارة هاتفه النقال عن بعد، وكأنّ الريموت كنترول حمامة السلام أو هدهد البشارة بالغنائم والمال، ولم يستبينوا النّصحَ إلاّ ضحى الغدِ!.
مثل هذه العواقب هي نتائج الأميّة القانونية التي تسيطر على ثقافة التعامل الماليّ لدى الكثيرين، وفي هذا مؤشّر كاف إلى أهمية رفد المناهج الدراسية بمثل هذه القضايا في هذا الزمن الذي يُباعُ فيه التدليس عبر رسالة سطحية ساذجة، ومع ذلك ورغم النّصح، تتزايد أعداد الضحايا، وكأنهم لا يحبّون الناصحين.