معضلة المشتري والضرائب
توفر البنوك السعودية وجهات التمويل الكثيرة، فرصًا تمويلية جيدة لتحفيز المستثمرين من رجال الأعمال المخضرمين، وكذا من الشباب على البدء في مشروعات جديدة ذات جدوى اقتصادية جيدة لهم، هكذا يبدو للوهلة الأولى أنَّ قائمةً طويلة من الواردات التي تستوردها السعودية من الخارج وبمبالغ كبيرة يمكن استهدافها من المستثمرين ليكون في إنتاجها - محليًا - عائد مالي كبير لهم.
هذا الحديث مع الأسف يصطدم بمعضلة حقيقية وهي معضلة المستهلك «المشتري»، فالمستهلك النهائي يبحث في الغالب عن الجودة المتناسبة مع السعر، وكلما انخفض السعر وكان مستوى الجودة مقبولًا كانت فرص الطلب عليه عالية، وهذا تمامًا ما يجعل الإنتاج المحلي غير قادر على مواكبة كثير من مثيلاته في بلدان العالم بسبب ارتفاع سعره بالنسبة لغيره.
ثمة قواعد اقتصادية بديهية للطلب والعرض لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها في التخطيط لأي مشروع استثماري، من أكثرها أهمية هو أهمية المنتج للمستهلك وسعره وجودته، وكلما كان المستثمر قادرًا على تقديم سعر أقل وجودة مقبولة لمنتج استهلاكي كان الطلب على منتجه عاليًا.
المشكلة التي نواجهها في السعودية هنا، هي أنَّ المستثمر لا يستطيع ضمان بيع منتجه بأسعار منافسة طالما بقيت أسعار الواردات الخارجية أقل من تكلفة إنتاجها محليًا، وهذا ما يجعل مشروعًا لفرض ضرائب على الواردات تهدف لرفع تكلفتها النهائية بأعلى من المنتج المحلي، سببًا اقتصاديًا منطقيًا لتوجه المستهلك النهائي إلى المنتج المحلي، كما أنَّ قانونًا حينئذٍ يلزم الشركات بعدم استيراد ما ينتجه السوق المحلي يمكن له كذلك أن يدعم الصناعة الداخلية ويوفر لأصحابها طلبًا مرتفعًا ينعكس على نمو هذه الشركة من جهة، وعلى خلق تنمية حقيقية يمكن لها أن تدعم المجتمع وتحقق لأفراده المزيد من أسباب العيش الكريم.
الاقتصاد علم رياضي جامد إلى حد كبير، لا يمكن صناعة طلب على منتج محلي بعبارات وطنية وأخلاقية تدعو الناس للتضامن والتكافل فيما بينهم، التشريعات القانونية وحدها ما يمكن لها فعل ذلك، هكذا إذن يبدو أنَّ مشروعًا يهدف لتقليل قائمة الواردات الكثيرة لننتجها محليًا يبدأ أول ما يبدأ بقدرة السوق على توفير السعر والجودة المطلوبة، كما وفرض ضرائب ترفع من تكلفة الواردات مقارنةً بما ينتجه السوق المحلي، حينذاك فقط يمكن للصناعة المحلية أن تحقق الكثير من النجاحات، أما دون ذلك فلا يبدو أن المستثمر قادر على الاستمرار في السوق ولو لفترات قصيرة.