شماعة؛ الدمام قريبة من القطيف
في الحفل الأول من نوعه في المنطقة لانطلاق موسم صيد الربيان الذي أُقيم مؤخرا في القطيف، أرى من المهم الإشادة بهذه المبادرة لفرع وزارة البيئة والزراعة والمياه بالمنطقة الشرقية، فهي توحي عن توجه جديد وجاد أن شاء الله للعناية وتنمية مهنة وقطاع صيد الأسماك في المنطقة.
الأمر الآخر والأهم الذي اريد أن اشيد به هو إقامة هذا الحفل برعاية محافظ القطيف وفي القطيف نفسها باعتبارها المدينة الأبرز على الساحل الشرقي في صيد الأسماك والتي تحتضن - منذ عشرات السنين - سوق الأسماك الأشهر الذي تفد إليه الأسماك من مختلف المناطق إضافة إلى دول الخليج.
مصدر هذه الإشادة هو أن هذا الحفل على بساطته إلا أنه جاء معاكسًا لفكرة قديمة مغلوطة ومدمرة للتنمية لكنها مازالت سارية وتتسع للأسف بمختلف التبريرات، وهي ضرورة أن تحتضن مدينة الدمام العاصمة الإدارية للمنطقة الشرقية كل المقرات والأنشطة والفعاليات الكبرى التي تحتضنها المنطقة الشرقية! وما يزيد الأمر تعحبًا ويدعو للتساؤل لمن يعرف ما تعانيه مدينة عظيمة مثل القاهرة من مشكلات فتكت بها بسبب نفس هذه الفكرة كيف لا يفكر الف مرة قبل أن يتبنى مثل هذه المركزية حتى الآن!.
لقد حبانا الله في المنطقة الشرقية بمدن برغم قربها من بعض إلا انها تميزت عن بعضها وشكلت مزيجا من التنوع الذي يزيد المنطقة جمالاً وثراء، فأصبحت كل مدينة لها عنوان وشهرة معينة تميزها عن أختها، فعند إقامة أي متحف صناعي في المنطقة الشرقية يتجه الفكر مباشرة إلى الجبيل الصناعية كموقع مناسب لإقامته، وكذلك فكرة إقامة أي متحف بحري أو تراثي ينصرف الذهن مباشرة للمدن التي لها تاريخ وحضارة ومقومات تدعم ذلك مثل القطيف، وكذلك الأحساء بالنسبة للزراعة مثلاً.
هذه مجرد أمثلة بسيطة، في حين أن الواقع الحالي يفرض ويضغط علينا بشكل مختلف، فالتجمع الصحي الأول في المنطقة الشرقية - وهذا مثال فقط - والذي معظم نطاق عمله في محافظة القطيف - المحافظة السابعة على مستوى المملكة من حيث عدد السكان - إلا أن إدارته موجودة في الدمام! هذا ونحن نتحدث عن قطاع حساس مثل القطاع الصحي الذي يحتاج متابعة مباشرة وقريبة ربما أكثر من غيره.
طرحت هذا التساؤل وهذه الملاحظة على أكثر من مسؤول وكانت الإجابة شبه الموحدة لهم - وأن أبدت تفهمًا ظاهراً للملاحظة - بالقول أن الدمام هي العاصمة وأن القطيف قريبة جدأ للدمام، وهي إجابة تؤكد قوة التساؤل وأهمية تغيير النهج الحالي للإنفكاك من المركزية المكانية - بسبب هذا القرب - أكثر من كونها مبررًا للاستمرار على هذا النهج. فالتفسير الصحيح للقرب يعني أن القرب يصلح في كلا الاتجاهين وليس بإتجاه واحد فقط.
لقد كانت الجهود التي بُذلت لتطوير النعيرية على سبيل المثال هي جهود عظيمة وفكرة خلاقة لإضافة مدينة جديدة جاذبة مكتملة الخدمات لمنظومة مدن المنطقة الشرقية وهي من أفضل الأمثلة لخلق البيئة المناسبة والأسباب التي ترحم مدينة الدمام من حشر كل شيء فيها، وفتح المدينة بإتجاه خيارات ومدن أخرى بدلًا من تسويرها وحشر الخدمات والسكان والزوار في بقعة معينة باعتبارها هي المنطقة الشرقية المنطقة الأكبر مساحة بين مناطق المملكة.
أكرر الإشادة بالخطوة الرمزية البسيطة والجميلة التي قام بها فرع وزارة البيئة والزراعة والمياه التي نأمل أن تتكرر لأنه أسقط بهذه الخطوة الاستخدام السلبي والخاطئ الذي يتذرع به بعضهم بمقولة: الدمام قريبة من القطيف.