الموسيقى في كل بيت
فجأة وبلا سابق إنذار، أصبحت الموسيقى في كثير من البيوت بعد أن كان وجودها مرفوضًا بشدة في السنوات المنصرمة، يقول أحد الشباب: لقد كسر والدي آلة العود التي اشتريتها قبل ثلاثة أعوام، ولكنه اليوم اشترى لأخي الأصغر بيانو!.
لست هنا بصدد البحث في أسباب التحول الفكري التي طرأت على الأب، ولا الظروف السياسية والثقافية التي تشهدها المرحلة التاريخية، ولكني توقفت متسائلة: كيف يمكن لهذا الأب أن يرمم الجرح الذي خلّفه في قلب ابنه الأكبر؟.
كم من أب فينا؟ كم من ابن أكبر فينا؟ إنها التغيرات الثقافية التي تأتي بطوفانها فتشمل كل ملامح الحياة، وما كان مُستنكرًا صار مُحببًا.
يرى بعض الناس أن هذا هو المسار الطبيعي في التعاطي مع القضايا أثناء تعاقب الأجيال، وهذا ما يعزز التفاوت الفاحش بين جيل وجيل آخر، وقد تكون هذه الفكرة مناسبة لفئة من الناس، لا يتقدمون خطوة حتى يدفعهم الطوفان لذلك! فهل هذا مناسب لإنسان اليوم الذي صار يتسابق لشراء آخر الأجهزة ويفكر في التخصصات الأكاديمية المطلوبة بعد عشرة أعوام؟.
حتى قبول التبريرات يتغير من مرحلة لأخرى، ولهذا أصبح هذا التمايز الباهظ في التكلفة بين الأجيال غير مقبول، فالتجربة السابقة قدمت نموذجًا حيًا يمكن الاستفادة منه لضمان استجابة أكثر عدلًا وتوازنًا.
الأمثلة في هذا الصدد كثيرة، فكم من أب كان سندًا لابنته لمواصلة دراستها في الخارج بعد أن كان عائقًا في طريق زوجته لإتمام الشهادة العليا في منطقة محلية مجاورة! وكم من أم هيّأت كل الظروف المالية لدعم مشروع ابنها الذي تكررت خسارته، بعد أن أفسدت كل لحظات نجاح زوجها، بالتذمر المستمر على توافه الأمور؟، كذلك لا يمكن إحصاء قصص التحيز التربوي بين الأبناء!.
تمضي السنين حاملة كل ثقلها الثقافي الذي يتحمله أبناء المرحلة بدون أي اختيار منهم، وكأن الفرد ضحية تحت أقدام الظروف المختلفة، فمتى يستفيق الضمير الأخلاقي محاولًا مد يديه لكل المُقربين بمستويات متقاربة جدًا، غالبيتها نابع من الذات المُحبة بوعي، بعيدًا عن اضطهادات الفكر السائد الظالم في كثير من الأحيان؟.