هل تناسبك الحرية؟
أعتبره من الأسئلة الصعبة جدًا، لأنه يضع الإنسان في مواجهة داخلية وهنا تكمن الصعوبة، فعندما تواجه العالم ستكون في أزهى وأبهى وأجمل صورة، وهذا معروف ويمارسه الجميع، ولكنك تتعرى أمام مرآة الذات، فهل تناسبك الحرية أم لا؟ سأذكر بعض الأمثلة:
عمليًا، يمتعض كثير من الموظفين عندما تعتمد جهة العمل نظام البصمة الإلكترونية في الدخول والخروج، لماذا؟ لقد كان موظف قسم الحاسب الآلي يفتح باب مكتبه في العاشرة صباحًا من كل يوم، وأحيانًا لا يعود بعد استراحة الغداء، لكنه الآن مُجبر على تسجيل دخوله عند الثامنة تمامًا وخروجه عند الخامسة.
دينيًا، سؤال الرجل الصالح عن جواز الزواج من المومس مُثير، لأنه يفتح بابًا من التساؤلات حول الموانع التي توقف الإنسان عن بعض القرارات، هل منبعها الذات الحرة في الاختيار، أم أنها تطبيق لأوامر تشريعية وجب الالتزام بها التزامًا جبريًا؟ بحث هذه الزاوية يقودنا للإجابة عن سؤال الحرية، ماذا لو كنا متحررين من التشريعات الدينية؟.
أخلاقيًا، عندما اشتدت تهمة السرقة بين الموظفين ومازال المُتهم يُنكر، تمت مطالبة قسم الأمن بتسجيل شريط الفيديو ليتم التأكد من مصداقية أقوال المُدّعي أو نفيها، وسيتم الفصل في القضية بعد مشاهدة الشريط، لمن ستحتكم الإدارة من دون وجود كاميرا المراقبة؟.
فهذه المشاهد بإمكانها أن تتناسخ لتسقط على كثير من الظروف والأحداث التي تمر على الإنسان في حياته الخاصة والعامة، لتمنحه فرصة الإجابة بمنتهى الشفافية - هذه المرة - بشكل معاكس: ما الذي جعل موظفًا - بدون بصمة - يلتزم لعشرين عامًا بالوصول قبل وقت بدء العمل بنصف ساعة يوميًا؟ وكيف نفسر إعطاء رجل بعض النقود لامرأة عرضت عليه وقتًا ممتعًا دون أخذ البضاعة؟ وما هو الدافع وراء اعتذار شخص وكتابة كامل معلومات الاتصال على ورقة صغيرة بعد صدمه للسيارة الواقفة أمام المنزل؟.
مطلب الحرية ليس أنانيًا غوغائيًا يطير في فضاء خالٍ من سواه، بل هو بذرة لها امتداد إلى الأعلى، كلما ارتفع سقفه اكتظت حوله الغيوم، وجذر إلى الأسفل، كلما غاص نحو العمق تأصل في النفس.