في تونس: الدين صار ذوقاً!
عندما تزور تونس، ستلاحظ أن فتاة محجبة حجابًا صحيحاً شرعاً تسير بجانب فتاة أخرى لم تتحجب حجاباً شرعياً أبداً، وستجدهما منسجمتين تماماُ وتتبادلان الضحك مع بعضهما! ولست أظنك ستستغرب من ذلك بعد قضاء وقت قصير في تلك البلد، لأنك ستجد ذلك ماثلاً أمامك في كل حين وفي كل مكان. ف ”الطيور على أشكالها تقع“ لا تعني عندهم أن المحجبة لا تصاحب إلا محجبة مثلها، وإنما تصاحب فتاةً مثلها.
وقد تحدثت عن الفتيات لأنك ستلحظ ذلك جلياً وسريعاً من خلال اللباس والحجاب. الحقيقة، أن لقراءة هذا الأمر أكثر من زاوية وطريقة، ولكن على ما يبدو أن التدين والالتزام بالدين وتعاليمة أصبح أمراً شخصياً وذوقاً فردياً وعادة وتقليداً أسرياً بحيث لا يتناقشون فيه ولا يحاول طرف أن يقنع طرفاً آخراً بذوقه أو عاداته التي ربما ورثها من أسرته ومحيطها الصغير. بل أكثر من ذلك، فالملتزم بالطقوس الدينية ليس لذلك عندهم صلة بصلاح الفرد أو فساده بالضرورة.
فالفتاة التي ترتدي الحجاب الشرعيّ ليست صالحة بالضرورة، والفتاة التي لا تلتزم بالحجاب الشرعي، مع كونها مسلمة، لا يعني أنها فاسدة وسيئة. بالتأكيد طبعاً، أن ذلك لا ينطبق ولا ينسحب على كل أفراد وطبقات المجتمع، ولكنه ملحوظاً بشكل واضح للعين. ولعل ذلك يُعتبر مرحلة متقدمة من احترام الاختلاف وقبول الآخر المختلف بل والتعايش وربما التماهي معه بحيث لا يشعر أبداً أنه مختلف عمن لا يتشابه معه.
ومثل هذا الأمر سمعناه عن كثير من دول الغرب والشرق الأقصى أيضاً. فهم، عادة، لايهتمون بدينك أو مذهبك أو معتقدك، بل، فقط، بطريقة تعاملك مع الآخرين واحترامك والتزامك لأنظمة بلدهم. صحيح، بأن بعض أبناء تلك الدول يكنون العداء للإسلام ويبغضون المسلمين لأسباب كثيرة ومتعددة بغض النظر عن وجاهة بعضها، خاصة فيما يتعلق بسلوك المسلمين وخرقهم لقوانين تلك البلدان، ولكنني هنا أتحدث عن دستور وقانون تلك الدول وعن التيار العام والمعتدل بين تيارات تلك المجتمعات.
أنقل هذا الأمر وهذه الصورة، ليس دفعاً وتشيجعاً باتجاه هذا الأمر وكذلك ليس منعاً وتقليلاً منه، وإنما محاولة لتأكيد أن هذه الظاهرة تنم عن تجاوز كبير لأحد أكبر العناصر والحواجز الموجودة في كثير دول المشرق العربي، وتأثيرها الإيجابي في اندماج المجتمع وانسجامه مع بعضه بأطيافه المختلفة. لا شك أن المجتمع التونسي يعاني من حواجز ومشاكل أخرى تمزقه أو تحاول أن تمزقه على الأقل، ولكن ومع كل الحواجز الموجودة، إلا أن حاجز الاختلاف في الدين والمذهب والمعتقد أخذ في التلاشي والاضمحلال بشكل ملحوظ وهذا إنجاز كبير في حد ذاته. ولعل هذه الصورة المشرقة تكون حافزاً لدولنا العربية الأخرى كي تتجاوز ذلك الحاجز الديني والمذهبي لتتعانق وتنسجم مع بعضها متخلصة من نيرٍ طالما أرهقها وعذبها!