آخر تحديث: 23 / 12 / 2024م - 11:33 م

يا ليت كل الناس «حساوية»!

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

في حوار طويل حول التعايش بين الطوائف المختلفة ختم أحد الأصدقاء «الأحسائيين» مداخلته بالجملة «يا ليت كل الناس حساوية»، كان ذلك حينما تحدث كيف أن مجتمعَ الأحساء مجتمعٌ متعددٌ وأنَّ الناس جميعًا فيه لم يتعلموا الألوان والأعراق والمذاهب سببًا للكراهية، بذلك فإنَّهم كتابٌ بليغٌ يمنح قارئيه دروسًا في الحب غير المشروط من الصعب أن يهبها كتابٌ آخر في جوارنا المحيط.

عبثًا يبحث المريدون عن نموذج يُحتذى به أو وصفة علاجية تصنع التعايش والمودة بين المختلفين على أساس الإنسانية التي تجمعهم وكفى، فلا يجدونها غالبًا إلا في الغرب، ذلك أن مجتمعًا حينما تسود فيه ثقافة تمنح أصحابها الفوقية والتعالي والاحترام المشروط بالاتفاق بين المختلفين في كل شيء لن تستطيع قوة بلغت ما بلغت تبديدها من العقول والقلوب، حينها سيبقى المجتمع مركزًا لتفريخ المبغضين الكارهين لمن يخالفهم.

في حين أنَّ المجتمع حينما يألف المحبة والتعايش ويرثها خلفًا عن سلف فإنها تتحول لهوية وطبع لا يمكن إزالتهما من القلوب، ليتحول بذلك إلى مجتمع أُسري، يعيش أفراده الترابط والتراحم والمودة في كل سلوكياتهم.

الوصول إلى مجتمع «الحساوية المحب» لا يتحقق إلا إذا آمنت سلسلة طويلة من أدوات التربية بأن الاحترام لا يعني اتفاق الآراء وتطابقها تمامًا، فتتكون هذه السلسلة من الوعَّاظ وأئمة المساجد أولًا، مرورًا بالتعليم والمدرس غير الذي يستخدم فرصته في لقاء النشء لتفريغ قناعاته الموبوءة بالضغينة والكراهية، نهاية بالوالدين اللذين يدركان أن الفطرة المغروسة في الأطفال والتي تجعلهم في كل حديقة وملعب يشاركون الآخرين اللعب بكل حب، دون أن يعرف أحدهم أن دين الآخر ومذهبه ولونه حواجز تمنعهم عن ذلك، وأن هذه الفطرة السليمة هما قبل كل شخص آخر من يغرس فيها الحب والتعايش إن أرادا ذلك والعكس صحيح.

هذه السلسلة هي من تصنع المجتمع المحب إن اجتهدت على ذلك، وهي من يمكن لها أن تستنسخ «مجتمع الحساوية» في كل مكان، أما دون ذلك فستبقى البيئة الملوثة ب «الاحترام المشروط بالاتفاق» تنفث سموم البغضاء في محيطها ليتأثر بها الجميع قسرًا ويتحولوا لمجتمع فوقي يمنح نفسه الدرجات العليا في المنطق واستخدام العقل ويجرد الآخرين منهما.

الأحساء مدينة الجمال والتاريخ والحب، مدينة الطيب، التي حق أن نفخر بها ونباهي بسمو أهلها وترابطهم وتراحمهم بالمجتمعات الأخرى، هكذا أحسن غرِّيد الأحساء جاسم الصِّحِيْح وصفها حين قال:

اليومَ يرفعُ بالكرامةِ رأسَهُ … وطنٌ علامةُ رَفعِهِ «الأحساءُ»

اليومَ تُمتَحَنُ النخيلُ بصبرِها … فكأنَّها والأمَّهاتُ سَوَاءُ

أحساءُ يا «أَلِفَ» الكلامِ.. لطالما … حَسَدَتْكِ في أقصى الحروفِ، «الياءُ»