آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

منتدى الثلاثاء الثقافي: تجربة ثقافية

جعفر الشايب *

تأسس منتدى الثلاثاء الثقافي عام 2000م بهدف تجسير العالقة بين النخب الثقافية وفتح مجال الحوار وطرح القضايا الفكرية والاجتماعية من منظور وطني والتعريف بالفعاليات والأنشطة الثقافية، وقد تمكن المنتدى طوال هذه السنوات من تحقيق مستوى متقدم من هذه الأهداف حيث تمكن بالفعل من أن يكون منصة لطرح قضايا ومواضيع وطنية في مختلف المجالات واستقطب شخصيات ونخب مثقفة ومسئولين في تخصصات متعددة، وساهم في التواصل الفعال بين المثقفين داخل وخارج المنطقة. فخلال السبعة عشر موسما ثقافيا أقام المنتدى أكثر من 400 ندوة وأمسية في مجالات أدبية وثقافية وحقوقية واقتصادية واجتماعية، شارك فيها حوالي 600 محاضر في مختلف التخصصات، وساهم بالتعريف بالتركيبة الاجتماعية والثقافية في مختلف مناطق المملكة، وكذلك المئات من المؤسسات والمبادرات المحلية ومختلف أشكال الفنون عبر الفعاليات المصاحبة للندوات.

كما عمل المنتدى على إيجاد شراكات فاعلة ومتواصلة مع جهات ثقافية رسمية وأهلية عبر اقامة فعاليات ثقافية مشترة معها. وأخيرا فقد تمكن المنتدى من توثيق جميع أعماله وأنشطته ورقيا والكترونيا كتابة وصوتا وصورة ونشرها بصورة أسبوعية منتظمة على مختلف وسائل اإلعالم والتواصل الاجتماعي.

أما ما لم يحققه المنتدى حتى اآلن، فهو مشروعه للتحول إلى مؤسسة ثقافية مرخصة وتوفير مركز ثقافي متكامل يضم أنشطة وبرامج وفعاليات المنتدى، ويقدم خدمات ثقافية أوسع وأشمل للمجتمع، ويعزز التلاقي والحوار والتواصل بين المهتمين من المثقفين. وهو أمر نتطلع إلى تحقيقه بإذن الله تعالى.

وقد أثبت المنتدى أن لديه رؤية واضحة تجاه مختلف القضايا والمواضيع، فهو منفتح على كل الاتجاهات الفكرية والآراء ولا يتردد في تقديم أي ضيف مهما كان اتجاهه أوموقفه، كما أن التوجه العام للمنتدى هو إطالق مساحة واسعة للحوار الحر والمفتوح حول أي قضية باعتبار أن ذلك مدعاة للفهم المشترك والتعرف على الآراء المختلفة مهما كانت متعارضة، وبناء أرضية صلبة في المجتمع تعزز حرية الرأي والتعبير بين مختلف الأطراف. على الرغم من التغير في الظروف المحيطة بالعمل الثقافي، إلى أني أرى بأن هناك متسعا أكبر للحوار في الوسط الاجتماعي واستعدادا أفضل لعله بسبب التقنيات الحديثة للتواصل وطرح العديد من القضايا المسكوت عنها عادة بصور واضحة ومباشرة. البعض بطبيعة الحال يتحفظون على تناول مواضيع خالفية أو حساسة تحت مبررات مختلفة، لكن الأجواء العامة وتعدد قنوات ووسائل الاتصال وتوفرها للجميع وسهولة استخدامها تكسر يوميا حواجز الممنوعات من المواضيع. المجتمع أيضا بدأ يتعامل بواقعية مع الآراء المخالفة والتي كان يتحفظ على طرحها، فلم يعد هناك مواضيع تخص النخب وتنحصر بين أهل العلم فقط، بل أصبح الجميع يناقش الجميع وهو أمر اعتقد أنه تطور جيد في الحوار على الرغم من المصاعب والثغرات التي تكتنفه. وما أراه هو أن تطرح القضايا، كل القضايا، وتناقش ويتم الحوار فيها والجدل حولها دون أي تحفظ أو حساسية، وألا يخلق ذلك تشنج أو توتر بين مختلف األطراف، بل تناقش بموضوعية وفي جو حواري هادئ وهادف.

ويختلف التجاوب مع المواضيع التي يطرحها المنتدى من فترة إلى أخرى نظرا لملامستها حاجات المجتمع وقضايا الساعة، فالمنتدى لكونه يتناول مواضيع متنوعة وفي مجالات مختلفة فإنه يسعى لمعرفة التوجهات الهامة التي يهتم بها الناس من خلال استبيانات ومراسالات ولقاءات تعقدها لجنة المنتدى مع شرائح اجتماعية وثقافية متعددة ويتم برمجتها وتحويلها لاحقا كمواضيع للندوات بعد مراجعتها مع الهيئة الاستشارية للمنتدى.

ولعل من أبرز التوجهات التي توسع فيها المنتدى القضايا الحقوقية عبر الاحتفاء بالمناسبات الحقوقية الدولية واستضافة مسئولي المؤسسات الحقوقية والناشطين في هذا المجال والتي نال على إثرها المنتدى جائزة ”شايو لحقوق الإنسان“ المقدمة من بعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة والخليج عام 2015م لدوره في نشر الثقافة الحقوقية في المجتمع، وقبل ذلك حصل المنتدى على تكريم من وزارة الثقافة واالعالم عام 2010م في معرض الرياض الدولي للكتاب.

ومن بين المواضيع التي أثرت الساحة الثقافية قضايا التعايش والمواطنة والحوار المذهبي ومعالجة المشكلة الطائفية حيث نالت اهتماما واسعا من أطراف وطنية متعددة، كما واكب المنتدى مشكلة التطرف واإلرهاب التي تهدد األمن الوطني وتناولها بصيغ متعددة عبر حوارات مفتوحة ولقاءات موسعة ولاقت استحسانا كبيرا.

وأخيرا فإن من بين المواضيع التي يتم التفاعل معها في المرحلة الراهنة الوضع الاقتصادي لتأثيره المباشر على مستوى عموم الناس وخصص المنتدى عدة ندوات في موسمه الحالي لعرض مختلف وجهات النظر حيال هذا الموضوع، والقت جميعها تفاعال كبيرا من المهتمين.

وأرى أن المنتديات الثقافية تلعب دورا مهما في نشر ثقافة الحوار في المجتمع وتدوير وتبادل الأفكار والآراء، وتخلق بيئات مناسبة للنقاش الواضح حول العديد من القضايا المهمة، ولكونها مؤسسات أهلية فإنها تتميز بحيوية ومرونة كبيرة وبحميمية في الحوار والنقاش يسهل من خاللها طرح وتبادل الآراء بحرية أكبر. ومن أجل أن تقوم هذه المنتديات بدور ثقافي يدعم المجتمع ويطوره ينبغي ان تتكاتف في عملها مع المؤسسات الثقافية الرسمية القريبة كاألندية األدبية وجمعيات الثقافة والفنون بحيث تفعل الشراكات بينها. كما أنها تحتاج أيضا إلى مساندة ودعم رجال األعمال حتى تتمكن من توسيع برامجها وتحسين أدائها وتطوير عملها بشكل أفضل مع توفر اإلمكانيات الالزمة. ومن الممكن القول أن على المنتديات الثقافية من ناحية أخرى االنتظام في استمرارية برامجها وعدم االنقطاع في أنشطتها حتى يكون تأثيرها ملموسا وفاعال في المجتمع، وكذلك حسن اختيار المواضيع التي تتناولها للطرح والنقاش.

ومن وجهة نظري، فإن العالقة بين المنتديات الثقافية والمؤسسات الثقافية الرسمية كالأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون هي علاقة تكاملية يمكن أن تساهم جميعها في رفد وتفعيل وتنشيط الشهد الثقافي بشكل عام. وقد قمنا بالفعل بأنشطة مشتركة بين المنتدى وبين العديد من الجهات الثقافية الرسمية كالنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية والنادي الأدبي بالرياض وفرع جمعية الثقافة والفنون بالمنطقة الشرقية ودارة الملك عبد العزيز والجمعية السعودية للخط العربي والغرفة التجارية والصناعية بالمنطقة الشرقية، وغيرها من المؤسسات بتنظيم فعاليات وأنشطة عديدة مشتركة. وكانت هناك مبادرة من سعادة الشيخ عبد المقصود خوجة راعي اثنينية خوجة في جدة في دعوة مسئولي المنتديات الثقافي والمؤسسات الثقافية الرسمية قبل عدة سنوات لغرض تفعيل العالقة والعمل الثقافي المشترك بين هذه الجهات، ولكنها مع الأسف لم تتواصل بصورة فعالة بعد ذلك. وفي رأيي، فإن علينا واجبا مهما في تعزيز هذه العالقة وتفعيلها بصورة جادة وعملية حتى نساهم جميعا في الرقي بالعمل الثقافي في وطننا العزيز.