آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

القاعدة الأنصارية

علي عيسى الوباري *

تشخيص الواقع ضروري لدراسته وتحليله والتنبؤ بالمستقبل، ينطبق على اي بيئة ومنها الخليجية التي انتقلت إلى التنمية الصناعية والتقنية مع الطفرة الاقتصادية التي تؤرخ تقريبا من عام 1975 أو قبله بقليل متجاوزة الدول العربية المجاورة.

خير من درس الواقع الخليجي في تاريخه الديني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي من أبتكر القاعدة الأنصارية «العقل، الإيمان، الدين، الدولة» وإيجاد القواسم المشتركة بينهما وعناصر الربط التي تغير المجتمع، أُطلق عليه ابن خلدون عصره لشدة اعجابه به.

الذين يدرسون الواقع من جميع جوانبه ومؤثراته تفيد الدارسين والمشخصين في ادوات التواصل الاجتماعي واتس اب وفيس بوك... بتعليقاتهم أو مدخلاتهم ومقالاتهم، لأن مساهمات كتاب الميديا التنظيرية مهما كانت قوتها لكن أغلبها نابع من انطباع شخصي أو استنتاجات من قراءات متفرقة كتب ومقالات وتعليقات على احداث ووقائع ليست مكتوبة على أسس ومنهج علمي، ولا تخلو من انفعالات وردود أفعال ناتجة من طبيعة وسائط وتطبيقات الأدوات التقنية التي تفقد جزء من موضوعيتها وتخل بنقدها العقلاني البناء.

من يدعو لإعادة قراءة الذات العربية «الذات والتاريخ والواقع» لديه ألمام بالواقع الخليجي لأنه درس وحلل العناصر الداخلية والخارجية التي تفيد القارئ والفاحص بواقع المجتمع الخليجي ومستقبله خصوصا أنه يحمل من الشهادات والدراسة الاكاديمية المبنية على مقدمات التاريخ الجاهلي وبداية العصر الاسلامي، استوعب ظروف المجتمع الخليجي من بداية استقلال دوله وتأثيرات التيارات الثقافية بعد الحرب العالمية الثانية وعاصر ودرس بذور الصحوة الدينية مع نتائج الطفرة الاقتصادية وانعكاسها على بنية المجتمع الخليجي وما أحدثته من تغيير في التعليم والسلوك الاجتماعي في أفراده.

لديه قدرة المقاربة بين ثوابت المجتمع الدينية والتاريخية وبين العناصر المتحركة والمتغيرة وتكونت عنده شكل الهوية الحالية وما ستكون عليه مستقبلا حسب المعطيات الثقافية والاقتصادية.

درس وتلقى تعليما أكاديميا رصينا من جامعات عريقة وكسب معرفة من دورات ومحاضرات وندوات بعدة دول أنتج من خلال معرفته الثقافية الموسوعية كتبا تعد مرجعا معرفيا متكاملا عن الدول الخليجية والعربية وعمقها الديني والتاريخي ومجتمعاتها وعلاقاتها الثقافية مع الدول الاوروبية.

اصبحت لديه قدرة الربط بين نخبة المجتمع الثقافية ودورها في الحراك الثقافي وعناصر التغيير الاجتماعي والتنموي، ”تمدين الريف والبادية بدل ترييف وبدونة الفكري للمدنية“، شغله التساؤل الدائم الساكن في ذاكرته التاريخية والفكرية؛ ”لماذا يتكرر رسوب العرب...“، نادى بالمأسسة ووضع كل تجربة أو رؤية في مختبرات الفحص والدراسة تُدرس تاريخيا واجتماعيا وثقافيا،

انتقد النظرة الافلاطونية في مدنه الفاضلة الملائكية وتطبيقها في المجتمعات العربية من غير نقد للذات الجماعية، تشاطر مع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي حتى يعاد إنتاج معرفة مدروسة ومفحوصة بعيدا عن العاطفة للحصول على مجتمع متعايش متسامح، رفض الحلم الرومانسي للقومية العربية والقفز على الواقع، ورفض التشدد والتطرف لأنه خطر على التوفيقية والانسجام الاجتماعي.

من يقرأ بعض كتبه ويطلع على مشاريعه الثقافية الفكرية الممنهجة يستطيع بدرجة نسبية الحكم على منتجات أدوات التواصل الاجتماعي بأنها غير مؤثرة في تغيير بنية المجتمع بالعمق وإنما إثارات إعلامية أغلبها سطحية ولا نقول ليس لها تأثير نهائيا، لكن لا ترتقي إلى مشروع ثقافي فكري يهدف للتغيير والتطوير في تفكير المجتمع الخليجي عموديا وأفقيا.

رغم أن المرض أعياه وكبر السن منعه عن المشاركات الثقافية والفكرية والتأليف لكن كتبه ودراساته ومقالاته حازت على أعجاب المتخصصين وغير المتخصصين ونالت جوائز وكُرم في عدة محافل ومناسبات، سيخلده إنتاجه المعرفي والفكري وسيذكره التاريخ أنه افضل من كتب بدول الخليج العربي بالفكر التاريخي والاجتماعي.

انه مؤلف 20 كتابا متميزا اتسمت بالمنهجية في الدراسة والتحليل مثل كتب:

العالم والعرب، لمحات من الخليج، التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق، انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، والفكر العربي وصراع الأضداد.

أنه المفكر البحريني العربي الدكتور محمد جابر الأنصاري.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.