شهر العافية: 30 - وختامه مسك
بسم الله الرحمن الرحيم -... «25» خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ «26»... - صدق الله العظيم - المطففين.
الحمد لله الذي عافاني من آفة أدوات التواصل. رمضان شهر عبادة. والكل منا يتقرب إلى الله بقدر ما يستطيع. وكلنا يحاول أن يشكر الله على نعمه لأنه يستحق الشكر، بدون منة عليه أو على خلقه. هي نعمة يهبها الله لمن يشاء، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. لا نشكره فقط على كثر نعمه ولكن نشكره أيضا لأنه وفقنا لإيحاء شهره المبارك. الله يلهمنا البيان ويذلَّل الأسباب ويشجعنا ويعطينا الصبر الكافي للمواصلة والدعم للمثابرة. كل دقيقة يصرفها القارئ الكريم للقراءة تكلف الكاتب ساعة من الوعد، وعند الله نحتسب الأجر جميعا.
هناك من ينتقد وهناك من يُسفّه وهناك من يعترض وهناك القليل ممن يشجع ولهم الشكر الجزيل. في مثل هذه الأمور، يقول تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ «9 - القمر». في هذه الآية المباركة يدلنا الله على أساليب خصوم الأنبياء وأعداء الحق؛ لا يريدون أن يسمعوا أي شيء غير الذي ورثوه من آبائهم حتى قال فيهم نوح : وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا «7 - نوح». الأساليب القديمة لم تتغير لأن العقلية لم تتغير كثيرا؛ تُهم، تكذيب، زَجْر، وتشويش لكيلا يسمعون الحق أو يسمعه غيرهم.
الكل في هذه الدينا يريد منك أن تكتب على هواه. أتذكر في برنامج تويتر إذ يقول بعضُ المتابعين لماذا لا تكتب كذا وكذاك، فقلت لهم: ”ولا يهمكم سأعطيكم حسابي واكتبوا فيه ما تشاءون“. من الواضح أن أكثر الناس لا تريد أن تسمع أي شيء مختلف أو تتعلم أيَّ شيء جديد؛ لا تريد أن تسمع إلا ما يؤكد قناعاتها المسبقة التي ورثوها من أجدادهم؛ وهذا ما تطرقنا له من قبل في سلسلة اللاشعور. ما الفائدة أن يقرأ الإنسان ما يعرفه؟ لماذا لا يحب أن يقرأ الجديد ويستفيد منه؟ الأسباب في اللاشعور لأنه مشغول بحفظ النفس ويكره التفكير الذي يستهلك طاقة كان من الأولى توزيعها على العضلات والتكاثر بدلا من التفكير المضني.
إن كان هؤلاء المعترضون على يقين في أمرهم فليبدّلوا حالهم وليغيّروا وضع الأمة إلى الأحسن إن كان حقا ما يتبعون ويظنون، وفي ذلك يقول تعالى:... كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ «17 - الرعد». يا أيها المعترض الذي لا تريد أن تغير من نفسك لتغيّر وضعك، هاتِ برهانك ليراه الناس وينتفعون به «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».
لم أكن أملك الوقت الكافي «ولا أزال لا أملكه» لكي أتفاعل مع كل تعليق أو أرد على كل سؤال. ولذلك أوجه اعتذاري للجميع وجزى الله خير الجزاء من كلف نفسه بالرد والمتابعة.
كنتُ أضرب مثلا بصنع السيارات فقلت أي الصانع أمهر؛ الذي يعطيك سيارة بحاجة للصيانة كل شهر أو تلك التي لا تحتاج صيانة لمدة سنة؟ بالطبع صانع السيارة التي تحتاج صيانة أقل هو الأكثر إبداعا وإتقانا. فأردفت، تخيلوا أن صانعا يعطيك سيارة تعيش طول الوقت دون الحاجة إلى صيانة. من المؤكد أنه هذا الصانع أمهر وأفضل. ومنها قلت هكذا خلق الله الكون لا يحتاج إلى أي صيانة أو تدخل لكي يبقى مستمرا إلى أن يشاء الله، علما بأن أي خلل يطرأ على الكون ولو بمقدار طول پلانك سيؤثر على مصير الكون، أو بالتقريب مقدار فرق حبة رمل بالنسبة للكرة الأرضية. قال أحدهم إنك تتهم الله بأن يده مغلولة؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لابد أن تصور له الله كما يراه في نظره المحدود؟! يريد أن يجعل الله صانعا متفرغا لتسيير آلة لا تسير إلا بالتدخل المستمر، وهذا مشابه لتلك السيارة التي لا تعمل إلا بالدف وخلفها فريق من الفنيين لصيانتها باستمرار؟! هذا الشخص من الذين يدرسون الروايات ليستنبطوا الأحكام، فقلت له: هذا أنا ذا معك وأنت أسأت فهمي فكيف بك تستطيع أن تفهم ما قاله السابقون وأنت لم تكن معهم أصلا ومنها تبني حكما على ما فهمت دون القدرة على التحقق من القائل الأساسي وتعتمد فيه على أفهام غيرك إذ تعتبر فهمهم للموضوع وحيا من السماء أنزله الله عليهم مباشرة، بل وتلوم مخالفيك الذين يقومون بنفس فعلك وتتهمهم بأنهم يعطلون عقولهم حينما يأتي الأمر على أعلامهم؟!!!
هكذا هو الوضع، أنت تتعامل مع أناس لا يفهمونك وأنت أمامهم ويتهمونك بما ليس فيك ويتقوّلون عليك ما لم تقل، وفي النهاية يجعلون أنفسهم باب الله الواسع الذي ضيقوه من الأعلى ووسعوه في الوسط إذ يبدو أنك لا تستطيع المرور منه حتى تتخلى عن عقلك وتتركهم يفكرون عنك ويسيّرونك كيفما يشاءون وإلا استخدموا معك نفس أساليب قوم نوح يتهمونك بالجنون ويرهبونك بالزجر؛ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ. فإذا كان الأنبياء المُؤَيَّدون مباشرة من السماء يُغلبون أمام جموع الجاهلين والمعاندين «ما حاججني جاهل وإلا غلبني»، فمن المؤكد أن يُغْلَب من سار على نهجهم في هذه الحياة التي لا يريد فيها الناس السعي على خطى الأنبياء ويفضلون الجري على ما خطه لهم آبائهم؛ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ؟
جزانا الله وإياكم خير جزاء مع قبول من صيام وقيام، وكل عام وأنتم بخير.