شهر العافية: 28 - هل الله وهم؟ «ب»
بسم الله الرحمن الرحيم -... «102» لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «103»... - صدق الله العظيم - الأنعام.
يسأل دوكنز: هل هناك قوة عُليا؟ من الصعب جدا أن يحكم الصغير على الكبير أو الجاهل على العالم لأن الجاهل لا يعرف مقدار العالم ولا يمكن له أن يتصوره أو يتصور علمه «وهذا ما حديث للأنبياء من قبل ويحدث اليوم حينما يقيم الجاهل العالم حيث أن ”أسوأ أنواع الابتلاء أن تُبتَلي بغليظ الفهم، محدود الإدراك، يرى نفسه أفهم الخلق وهو أغباهم“»، هذا إذا كان الاثنان ماديين. أما إذا كان أحدهم من مادة معروفة والآخر من وراء هذه المادة فمن الصعب جدا أن يحكم الأول عن الثاني، ولكن العكس قد لا يكون صحيحا. لنتخيل لُعَبَ الڨيديو؛ هناك لاعب خارجي يتحكم في اللاعب الداخلي. اللاعب الخارجي من مادة عضوية. لاعب الداخل مجرد طيف إلكتروني ويختلف تماما عن المادة العضوية. من في الخارج يستطيع أن يعرف كل شيء عمن في الداخل، ولكن العكس ليس صحيحا. لو كان لاعبو اللعبة يفكرون، لربما ناقشوا فيما بينهم عن قوة عليا تحركهم. هذا سؤال صعب الإجابة عليه بِسُبِلِنا المادية ونحن مضطرون للجوء للفلسفة والمنطق والأثر. نحن لا نرى الأشعة الكونية ولكننا نستطيع أن نعرف أثرها. لقد ناقش الفلاسفة هذا الموضوع من خلال مبدأ العِلِّية ولا داعي لتكرار الموضوع. في ذلك، بنو إسرائيل أرادوا أن يروا الله جهرة ولكنهم لم يعلموا أنهم لا يمتلكون أساسا الحواس أو السبل المادية لإدراكه. تصور دودة عمياء تريد أن تتخيل إنسانا؟ ليس من خيال، عندما يُعالج امرئ من العمى بعد فترة طويلة، دماغه لا يتحمل الصدمة ولا يستطيع التعامل مع البيانات الجديدة حيث تكون مربكة له إذ لابد من التدرج في الموضوع. تستطيع أن تراجع الروابط المذكورة لترى كيف يصعب على الدماغ التعامل مع مثل هذه الحالات، وكيف نقل لنا المرضى خبراتهم.
لاحقا، دوكنز يعارض المنطق ومبدأ العلية ويرد على طرح الفيلسوف والراهب الإيطالي توماس أكويناس «1224م - 1274م». أكويناس يقول إن الكون لم يكن موجودا من قبل ولذلك لابد أن يكون له موجد. دوكنز يسأل: من أوجد هذا الموجد؟ هذا سؤال ضعيف جدا لأن دوكنز قاس نفسه وحدوده بالذات الإلهية، وهنا نعود للاعب الڨيديو الذي عرف أن قوة خارجية تحركه فاعترض عليه مُنْكِرٌ بالقول ”ومن يحرك من يحركك؟“. الثاني يقول ذلك لأنه لا يستطيع أن يتصور كيانا مستقلا بذاته يستطيع أن يحرك نفسه بنفسه.
بعدها يناقش دوكنز الفلسفة الوجودية «الأنطولوجية» ويقول إنها مجرد حبكات نصية. طرح في ذلك فلسفة أنسليم الإيطالي «1033م - 1109م» واتهمها بأنها مجرد تلاعب بالكلمات حيث أن الأول قال إنه طالما وُجِد الكيان المثالي في أذهاننا فإن وجوده لازب. في ذلك استعان دوكنز بأقوال ديفيد هيوم وإيمانويل كانط في أن الوجود ليس ميزة، ومنها استنتج دوكنز عن عدم ضرورية وجود الكيان المثالي. من المؤسف أن دوكنز يستخدم نفس الأدوات التي كان ينهي عنها؛ الفلسفة والمنطق. ولذلك فإن رده هنا ضعيف وركيك لأنه نهى غيره عن شيء وسمح به لنفسه؟!
الإنجيل أكثر كتاب يباع في العالم بمختلف اللغات. انتقد دوكنز الإنجيل وقال إنه لم يُكتب في حينه وكُتب لاحقا وطرأت عليه تغييرات متضاربة. دوكنز ذكر أدلة على التضارب. هنا لا نستطيع أن نرد على دوكنز لأن ما يقوله أقرب للصحة ونحن نقر بذلك، ولكن دوكنز استنتج الأمر فقط من الإنجيل المحرف. لابد أن نضع ما قاله دوكنز محل الاعتبار لأن تهمته تنطبق أيضا على الكثير من التراث لمختلف الأديان إذ لم يتم التدوين إلا متأخرا جدا وفيها الكثير من التضارب والخرافات والأساطير والأمنيات، ولكن للأسف يصّر البعض على أنها مصدر للتشريع رغم ركاكتها وتضاربها. إذا نظر دوكنز أو غيره للأديان من منظور ما يركز عليه سدنتها وأتباعها السكارى «وما هم بسكارى» فعذره عنده. السائد أن المعابد وأتباعها لا يهمهم الله أو دينه؛ همهم سطوتهم وتمكنهم من زمام الأمور وإن كان ذلك على حساب الدين والمبدأ. الدنيا والسطوة والأبهة والنرجسية تغرّ، والشيطان يزين الأمور من كل جانب، والدين أكثر جانب يأتي منه الشيطان، وأهل الأديان أكثرهم ضعفا أمام نزغ الشيطان. هذا ليس بحاجة إلى دليل؛ هم الذين حاربوا الأنبياء من قبل وبكل ضراوة، وانظروا كيف تتعامل الأديان مع بعضها اليوم وكيف يتعامل سدنة أي دين مع أهل الداخل إن اختلفوا معهم حتى في وجهة نظر؟!
تكلم لاحقا دوكنز عن التطور والانتقاء الطبيعي وقال إن هذا دليل مادي يمكن الرجوع إليه وأن برهانه أقوى من وجود خالق. هذا موضوع بحاجة إلى تعمق ومعرفة؛ نأتي له في السلسة القادمة، ولكن دوكنز نفسه يعترف أن لغة الجينات معقدة وبحاجة إلى عاقل ونسب ذلك إلى فضائيين زرعوا البذرة في الأرض حيث عَرَّفَ الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ. طالع الڨيديو لدوكنز والڨيديوهات المشابهة مع الكثير من الأخبار والمقالات في ذلك.