شهر العافية: 26 - الصراط المستقيم
بسم الله الرحمن الرحيم -... «5» اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ «6»... - صدق الله العظيم - الفاتحة.
لقد تطرقنا فيما سبق إلى سلسلة من المقالات تتعلق باللاشعور وتأثيره على الفرد وعرفنا لماذا الإنسان كثير الجدل ولِمَ يعاند ويكابر ولماذا يفضل نهج الآباء على الحق الذي لا يستطيع أن يراه نظرا لتغلب اللاشعور المحامي الذي لا يعي على الشعور العالِم الواعي. هكذا هي طبيعة البشر، أكثرهم للحق كارهون، ولا يسلم من الطبائع الضارة إلا القليل الشكور.
الهداية للصراط المستقيم دعاؤنا الذي يتكرر معنا على الأقل 34 مرة يوميا منذ أن نعي الدنيا إلى أن نفارقها، وحتى بعد مفارقتنا إياها، يهدينا أحباؤنا دعاء الهداية كلما تسنى لهم «اقرؤوا الفاتحة لأحبائكم والمؤمنين». الصراط المستقيم هو الطريق السوي الذي تحدّث وأمر به الأنبياء ولا يحيدون عنه ولا يختلفون فيه وإن باعد بينهم الزمن. شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ «13» وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ «14» فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ «15» - الشورى.
الفرق الزمني بين نوح والرسول محمد ﷺ يفوق 4000 سنة «وإن قل عن ذلك، على الأقل هو أكثر من الفرق بيننا وبين الرسالة المحمدية المباركة» ولكن كانت دعوتهما واحدة على صراط مستقيم بدون اختلاف أو خلاف أو تفريق. ووصية الله لأنبيائه ألا يتفرقوا في الدين لأن التفرق ميزة يمتلكها المشركون الذين لا يحبون الاستقامة والتوحيد والوحدة. الله هو الذي يجتبي النبي والرسول ولكن المشركين يريدونهم على حسب أهوائهم «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «31» - الزخرف». الله سبحانه ليس فاسدا ليرضي الفاسدين؛ يرسل لهم من يبلغ رسالته على أكمل وجه دون حياد عن صراطه المستقيم.
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ «30» - الشورى. المصائب من كسب الأيدي لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فهل يعقل أن تعيش أمة تحت المصائب لأكثر من ألف عام من غير كسب أيديهم بالرغم من العفو الكثير؟ وهل يعقل أن يستقيم نوح ومحمد ﷺ على أمر رغم فرق السنين وعدم التواصل بينهما مباشرة مع غياب السبل الورقية والإلكترونية والبحثية بينما يختلف أصحاب عهد واحد؛ كتاب واحد، نبي واحد، إمام واحد، تراث واحد، وزمن واحد،... الخ، فيما بينهم لدرجة أنهم لا يستطيعون حتى الاتفاق على دخول الشهر بالرغم من وجود السبل العلمية لحسم مثل هذه المسائل؟! ستجد التبريرات والجدال من كل جانب، ولكن الله أعطى الإجابة من قبل: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ «35» - الشورى. وليؤكد الله على سلامة النهج يكرر في أكثر من مرة: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «3» - الزخرف. الله يؤكد ويشدد أنه بلسان عربيا بسيطا وليس فيه أي اعوجاج وأنه حجة على الجميع دون استثناء؛ العالم والجاهل. طبعا، إلا الذين في قلوبهم مرض وزيغ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ «7» - آل عمران.
مَنْ وأين الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ؟ أليس هذه دعوة صريحة للتشاور في الأمور المختلف عليها لإرجاع الناس إلى الصراط المستقيم إن حادوا؟ أليس مهمة الأنبياء إرجاع الناس إلى الصراط المستقيم؟ هل يعقل أن يُفَرِّق ورثتُهم الناسَ عن الصراط المستقيم وأن يجعلونهم شتاتا، يكون كل قوم فيهم بما لديهم فرحون؟ أليس سُبَاب وتكفير وتضليل ولعن وتسقيط فريق لآخر شتات؟ ألا تنافي هذه الأفعال القرآن بدءا؟
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ولا تعرضوا عن ذكر الله «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ «124» - طه». وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ «52» - الشورى. الكتاب والنور والهداية من الله سبحانه وتعالى واِتَّبَاع الرسول ﷺ الذي ينقل عن الله مباشرة يهدي إلى صراط مستقيم. الرسول ﷺ لا يستطيع أن يحيد لأن الله عليه رقيب وهو يعلم هذه الرقابة ويقدرها ويصونها، ولكن هل كل من تكلم يحمل صفة الأنبياء؟ هل التفرق دليل على صفات الأنبياء أو إرث أورثه المشركون لأولادهم، جيلا بعد جيل؟