آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:18 م

مطبات وسائل التواصل الاجتماعي

جاسم العبود

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً جوهرياً في إطار تزاوج الثقافات وأتاحت للأشخاص آلية التوصل فيما بينهم للحوار والبحث وتبادل المعلومة المطلوبة..

وسائل التواصل ساهمت في تقارب محبي الهوايات والنشاطات ومن يمتلكون نفس الميول والتفكير دون عناء ولا مشقة الذهاب للجلوس وجها لوجه، وسائل التواصل لا تتطلب استعداداً للمكان والزمان؛ فأين ما تكون ومتى ما شئت تستطيع التواصل والتفاعل الاجتماعي المباشر من خلال الإنترنت مع أصدقائك، وأقصى ما تطلبه وسائل التواصل الاجتماعي هي ”كبسة زر لإضافة أو قبول صداقة“ أو ”كبسة زر لدخول قروب“ بعدها تستطيع التوصل والتفاعل المباشر بالصوت والصورة، وقد جمعتنا هذه المنصات بأشخاص لم نراهم ولم نسمع أصواتهم إلا من خلف شاشات سحرية..

بعض وسائل التوصل الاجتماعي تغيب فيها لغة الجسد البالغة الأهمية في عملية التواصل، وهذا هو المطب الذي يستوجب عنده تخفيف السرعة واتخاذ القرارات بموضوعية وعقلانية، لغة الجسد كحركة الأيادي وكيفية الوقوف والمشي وحركة الجفنين وحك الأنف وملامح الوجه، كل هذه الحركات والإيماءات تعكس درجة الارتياح والعكس كما أنها تساعد على فك طلاسم الشخصية وقراءة أفكار الآخرين، ويذهب علماء النفس بأن 60% من حالات التخاطب والتواصل بين الناس تتم بصورة شفهية عن طريق الإيماءات والإيحاءات، لا عن طريق الكلام واللسان..

إن التواصل من خلال منصات إلكترونية تغيب فيها لغة الجسد مع أشخاص يمارسون نفس الهواية أو النشاط أو يمتلكون نفس الميول يجرنا إلى اقتراف توقعات عالية حيالهم، وذلك تأثراً بأسمائهم الرنانة ومشاركاتهم الهادفة لروح الأمل والتفاؤل، فنستغرق في تميزهم وكأنهم أشخاص أسطوريين لا يجوز التعامل مع أقوالهم إلا بإجلال، ولكن حينما نلتقيهم خارج دهاليز هذا الفضاء الإلكتروني نرتطم بواقع يختلف تماما عن تلك الصور الملائكية التي شيدناها في مخيلتنا، نكتشف أن بعضهم بشر غارقون في العيوب والتناقضات، وينتهي بنا المطاف إلى الشعور بالإحباط والخيبة أمام شخصياتهم الحقيقة، هذا الشعور المؤلم حد الوجع لم يأتي من فراغ بل هو ناجم عن مبالغة في اقتراف توقعات عالية حيالهم بينما الواقع دون ذلك..

التعامل مع الأشخاص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تغيب فيها لغة الجسد يقتضي عدم التسرع والنظر بموضوعية وعقلانية بعيداُ عن اللمسات العاطفية حتى لا نشعر بخيبة أمل وخذلان الآخرين، فكلما رفعنا سقف توقعاتنا بالآخرين - وذلك يأتي تدريجاً دون أن نشعر - كلما كان السقوط فوق رؤوسنا موجعاً..