الإمام علي وإدارة الإنسان لحياته ومؤسساته
قال الإمام علي بن أبي طالب
”أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَقُولَا بِالْحَقِّ وَاعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً“
”أوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ص يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ“.
تأسست الإدارة الحديثة بمحورها الأساسي الإنسان كمنتج فقط وغفلت أي قيمة معنوية له هذه خلاصة أفكار ونظريات فريدريك تايلور الإدارة العلمية وهنري فايول الإدارة العامة وماكس فيبر نظرية البيروقراطية بدأت من المدرسة التقليدية وأنتهت إلى مدرسة الإدارة السلوكية أو مدرسة العلاقات الإنسانية.
نظرية الإدارة الحديثة التي خلص إليها الإنسان هي خلاصة فكره ومعارفه لتنظيم الجهود باستثمار الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق أهداف.
التنظيم الإداري والمؤسساتي هي من طور حياة الإنسان الحديث ووجه إبداعاته وابتكاراته إلى منتجات تفيد الحياة وشئونها وينطبق على مؤسسات الدولة الحديثة.
الإدارة قائمة على العنصر البشري والعلاقات التي تنشأ بين الناس والمنظمات، كل من أنتج معرفة وفكرا ينبغي تقديره واحترامه ما دامت مفيدة ونافعة بالحياة، هذه المعارف تناقلت من أمة إلى أخرى ومن حضارة إلى التي أتت بعدها وهذا المبدأ القرآني «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير».
وما قاله أمير المؤمنين ”الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“، هذا المعنى الحقيقي للعلاقة بين البشر لتبادل المعارف والمصالح التي أنتهت بها إدارة العلاقات الإنسانية.
الإدارة فكر متحرك من خلال عقل الإنسان المنتج يخطط وينظم ويوجه مهارات وقدرات الأفراد نحو أهداف وغايات تُنجز بالعقل ”الإنسان بعقله“، ”كمال الإنسان العقل“، ”أن أغنى الغنى العقل“، ”العقل اصل العلم وداعية الفهم“، ”العقل فضيلة الإنسان“، نلاحظ من كلمات الإمام علي ربط الإنسان بعقله الذي يميزه عن بقية المخلوقات وهو رأس ماله الحقيقي في توجيه حياته وحياة من حوله وينظم الأمور وتعزز العلاقات بين البشر.
مضمون ومفهوم كلمات الإمام علي تقدم لكل إنسان وليس مختصة بفرد صاحب ديانة أو معتقد سماوي فقط لكن لكل إنسان يعيش السلم والأمن مع أخيه الإنسان ويبرز إنسانيته بإستخدام عقله وتنمية معرفته بالعلم والتجربة والتبادل المعرفي، العلم هو سبب الفهم والإداراك والإستيعاب التي يعمل به الفرد من خلال المنظومة الأخلاقية مثل الأمانة والصدق والإخلاص والثقة بين الأفراد، هذا الذي عبر عنه أمير المؤمنين في عبارته الرائعة ”العلم مصباح العقل وينبوع الفضل“.
لم تعد الإدارة بالمنظمات والمشآت لكن تطورت إلى إدارة الفكر والإنتاج والاقتصاد المعرفي، إدارة نظريات ومبادرات التي أصبحت أغلى من المورد الطبيعي وأثمن من الآلة يقول أمير المؤمنين ”قيمة كل أمرئ ما يتقنه“، المهاراة والموهبة هي القيمة التي يجب أن تدار وتفعل وتطبق.
مدرسة العلاقات الإنسانية ظهرت بعد هيمنة مبدأ الربح أولا بغض النظر عن العوامل الإنسانية الأخرى، لأن أول ما بدأ الفكر الإداري الحديث بني على النفعية والربحية لصاحب رأس المال.
بعد معاناة الموظفين والعمال من المالك تأسست النقابات والاتحادات التي تحمي الحقوق وتضمن لهم علاقات إنسانية فبعد الإدارة العلمية لفريدرك تايلور التي أهتمت بالآلة والإنتاج بالمنظمات متجاهلة القيم الإنسانية التي هي الأساس في تعزيز العلاقات بين البشر وكذلك التي يفترض أن تحكم العلاقة بين الرئيس والمرؤوس والعلاقات بين الإدارة العليا والإدارة السفلى والعمال هذا ما بدأه له الإنسان نتيجة معارفه وتجاربه.
لا نقول إن الإدارة العلمية وبهذا الشكل الحديث أن أساسها اسلامي لكن هو تراكم معارف وتجارب الحضارات الإنسانية المتعاقبة التي أعتمدت على الإنتاجية والربح بداية القرن العشرين لكن بعد تجارب ومدارس إدارية عادت إلى مبدأ العلاقات الإنسانية التي تجسد القيم الفطرية بين البشر.