آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

يوم مفتوح في رمضان

محمد المصلي *

تعتبر أيام رمضان ولياليه في السابق من أحلى وأجمل الأوقات وكانت سوق تاروت قبل الأذان تعج بأصوات الباعة الذين ينادون على بضائعهم ويردفوا: صوم ياصايم، وكأنهم يقولوا: اشتري واتركها لِلَّيْل لتتلذذ بها وهناك أصناف اللعب الملونة وأخرى تصدر أصوات وكان رمضان كل أيامه ولياليه كالأعياد وينتظره الأولاد بفارغ الصبر لشيوعه وحيويته ورونقه فمن كان عنده مصروف قوي يعتبر من المحظوظين.

ولأن صاحبنا من عائلة متدينة فكان يصوم من أيام طفولته قبل عمر العاشرة، أحيانا للتباهى بين الأقران وأخرى الخوف من مراقبة الأهل وتارة من النار والعذاب والعموم حب للخالق وطبيعة لرضاه.

المهم أنه في عمر اثنا عشر سنة اعتاد التجول في حدود جزيرة تاروت وأحيائها، الا أن رفيقه الذي لا يصوم دائما أخذ المجموعة في سيارة الأجرة متوجها إلى القطيف وكانت رحلة مميزة حيث أجواء القطيف تزداد بهجة ومساحة ونشاط مختلف.

ولكثرة الحركة والمشي واللعب والتجوال زاد على صاحبنا الجوع والعطش ورفيقه يشتري أصناف الأكل من الحلويات والبسكويتات وأنواع الشراب من العصيرات والشربت ما لذ وطاب بل الإكثار من الشراء في كل شي يريده أو لا يُفضِّله بل لاحظ عليه التبذير في المال يمينا وشمالا ويُكثِر ويُهدي ويتبرع إلى الموجودين من أصحابه تارة بالمال وأخرى بالهدايا.

وصاحبنا الصائم لم يتحمل كل ذلك لما انتابه من التعب والارهاق، وصارت جماعته يمدون له بعض الحلويات اللذيذة فما كان منه إلا أن ضعفت إرادته وغلبته شهوته لِمَا رأى من تنوع الأطعمة المجانية واعتبرها «يوم مفتوح في رمضان» وليوم واحد فقط حيث أقنع نفسه بذلك، وأخذ قطعة ثم غيرها وهكذا، وأول ما بدأ بالأكل شعر بتأنيب شديد ولكن الإغراء القوي مع ألم الجوع والعطش وحضور الشيطان الرجيم فاق كل المحرمات.

وبعد أيام معدودة مر على صاحبه سَخِيِّ النفْس مالك الأموال الطائلة والمبذر العظيم، وإذا بالأصوات تعلو وكأن أحدا يحصل على ضرب مبرح وهو يستنجد ويغيث، طرق الباب بصعوبة وخفة، فخرج أخوه الأصغر، فسأله صاحبنا من خارج الباب عما يحدث فقال الاخ متوجعا: إن صاحبك سرق مبلغ كبير من والده وهو الآن قيد التحقيق في غرفة مقفولة كلما أخذ والده راحة رجع إليه يكيل عليه الضرب والشتائم حتى يرجع المال ولكن المبلغ لم يبق منه شيء، فلما تأكد صاحبنا أن ما أكله وشربه ما هو إلا من مال حرام وفي نهار شهر رمضان لم تسعفه نفسه اللوَّامة حتى من قطرة دمْعة فقد جفَّ حتى عقله من مصير «يوم مفتوح في رمضان»

الفنان محمد المصلي ـ ناقد فني