آخر تحديث: 23 / 12 / 2024م - 11:33 م

فقراء النهار أثرياء الليل

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

يمنح الصيام دروسًا كثيرة، أحدها الشعور بما يشعر به الفقراء من ضيق ذات اليد، بذلك يستطيع الصائم أن يدرك ذلك البؤس الذي يعيشه هؤلاء ويعرف أهمية التكافل الاجتماعي والمبادرة لفعل الخير.

هذا الحديث هو في حقيقته حديثٌ إنشائيٌ مثاليٌ يتناقض في الغالب مع سلوكيات نسبة قد لا تكون قليلة من الصائمين، يعني ذلك أن الطعام الذي لا يؤكل خلال العام يؤكل غالبًا في هذا الشهر، وأن الكثير مما لذ وطاب ينبغي أن يتوزع في أرجاء المائدة.

بذلك تصبح محاكاة الفقراء في جوع النهار، هي استراحة محارب لمزاولة النشاط الشره في الأكل حين الإفطار، وفي حين أنَّ مواساة الفقراء هي الجزء الأول من حلقة اليوم، فإن الجزء الثاني منها هو مواساة الأثرياء وبشكل أقرب للشكل الهستيري منه إلى النمط الطبيعي.

يعيش 50 في المائة من سكان العالم تحت معدل دخل يومي يبلغ 5,5 دولار، وبحسب تعريف البنك الدولي للفقير هو الذي لا يتجاوز دخله اليومي 3,2 دولار، في حين يُعرِّف المدقع في الفقر بالذي لا يتجاوز دخله 1,9 دولار.

ووفقا لتقرير صادر من البنك ذاته في أكتوبر 2018، فإن هناك أكثر من 1,9 مليار شخص من سكان العالم يعيشون على أقل من 3,2 دولار للفرد في اليوم، يعني ذلك أن القليل من مستلزمات الحياة الكريمة يفتقدونها ما يجعل كل سلوكياتهم اليومية تسير في نمط تقشفي شديد يتناسب مع دخلهم المنخفض.

بذلك يمكن لي أن أدعي أن عنوان مواساة الفقراء الذي يرفعه الصائمون كأحد علل تشريع الصيام، ولكي يمنح الإنسان القدر الكافي من إدراك معاناة الفقراء وآلامهم، لا يكون إلا من خلال محاكاة نمط حياتهم العام ومستوى إنفاقهم المتدني بلا فرق بين النهار والليل، وكلما استطاع الصائم أن يصل بنفسه إلى هذا المستوى كان - كما أعتقد - أكثر مصداقيةً في مواساتهم والإحساس الحقيقي بعوزهم.

اقترن شهر رمضان مع بالغ الأسف بصور متعددة من الإسراف والتبذير الغذائي، هكذا تسير أطنان من الأطعمة إلى براميل النفايات بشكل واضح كل يوم، هذا ما يبرر بشكل منطقي حصول بعض دولنا الإسلامية على تصنيف متقدم في قائمة الدول الأكثر هدرًا للغذاء في العالم، حسب تقرير صادر من منظمة الأغذية في الأمم المتحدة «الفاو»، يقابل هذا الهدر «إنسان واحد» يموت جوعًا كل أربع ثوانٍ في هذا العالم.

هذه الأمور مجتمعة تؤكد على ضرورة ترشيد السلوك الاستهلاكي بشكلٍ عام، لاسيما من الصائم في هذا الشهر، ومن لم يفعل ذلك فسيبقى العنوان الأنسب لما يقوم به - حسب رأيي - هو: مواساة الأثرياء في شهر مواساة الفقراء.